
مؤيدو هذه الظاهرة يقولون إنهم لا يحدون من حرية الشباب حيث أن الخطأ يعود لأسلافهم.
ويقول العربي، 60 عاما، “لسنا نحن من أسس عادة السحوة أو أي عادة اجتماعية أخرى. لقد كان أجدادنا هم من أتوا بهذه العادات. ولم يكن الهدف منها أبدا التفرقة والصراع. أنصح الجيل الجديد بالعودة لهذه القيم الأصيلة”.
في حين يقول منتقدو الممارسة إن الجيل الأكبر سنا يستعمل السحوة كعصا للتحكم في الشباب وإضفاء الشرعية على العادة بإعطائها صبغة دينية.
وقال أستاذ الأدب العربي محمد سالم لمغاربية “السحوة عادة اجتماعية التزم بها الموريتانيون الأولون وذهبوا إلى حد تقديسها”.
وأضاف “يتم فصل العصاة اجتماعيا ويتهمون بافتقارهم للأخلاق الجيدة”.
السحوة تمنع الشباب من الاستماع للموسيقى أو التدخين أو الحديث عن النساء بحضور الأكبر سنا. ويعتبر هذا السلوك وصمة في أعين المجتمع. وتنص التقاليد على معاقبة المخالفين ثقافيا بإطلاع أقربائهم أو أسوأ من ذلك بنبذ أسرهم لفشلها في اعتماد “سلوك مقبول”.
الممارسة تحظر على الزوج تناول الطعام أو الشرب بحضور عائلة زوجته. ولا يسمح له حتى بالتحدث إلى أنسابه.
في بعض المناطق النائية، يضطر الزوج لغطاء رأسه أو ارتداء عمامة عندما يصادف أبا زوجته. الاتصال مسموح به لكن طالما أن “الاثنين لا يتقابلان وجها لوجه” حسب قول مهدي، شاب موريتاني.
وبالنسبة للمرأة الموريتانية فإن السحوة تعني أنه لا يمكنها إرضاع طفلها في حضور والدها أو إخوانها الأكبر سنا لأنه ينظر لهذه الممارسة على أنها نضج جنسي ينبغي قمعه.
وتحظر إحدى عادات السحوة على الزوجات ذكر اسم أزواجهن؛ حيث يستعملن ضمير المذكر الغائب “هو”. وبما أن الإفصاح عن الحب لرجل ممنوع، يجب أن تبدي العروس وجها متجهما خلال عرسها وأن تخفي مشاعرها عن العريس.
وحفاظا على شرف عائلتها وتفاديا لنميمة الناس، يجب أن تتصرف حتى في حفل عرسها على أنها تتمنى أن تكون في مكان آخر.
مريم، 26 عاما، تقول “أعتقد أن السحوة ابتكرت لقمع الشباب وتدمير حياتهم”
وقالت لمغاربية “كيف ولم لا يمكنني ذكر اسم من أحب؟ لم وكيف لا يمكنني إرضاع ابني في حضور عائلتي؟ لم لا يمكنني الاستماع إلى الموسيقى باستثناء تحت بعض الشروط الخاصة؟ لقد آن الوقت لتختفي بعض هذه الحواجز التي لا معنى لها. لقد ضقت ذرعا بهذه العادة أكثر من مرة”.
في حين أن الموريتانيين الذين ولدوا في بيئة تترسخ فيها السحوة “يعتقدون أنها الأسلوب المثالي للحياة” حسب قول منى، أستاذة، ّلكنها ليست كذلك”. وتقترح مراجعة اجتماعية للسلوك التقليدي “بهدف غربلته ومعرفة السيئ لنبذه والاحتفاظ بالجيد منه.
وتضيف “ليس من اللائق الخلط بين عاداتنا والقيم الدينية. الدين شيء والسحوة مختلفة تماما”.
ولا يبدو الجيل الجديد مقتنعا ببعض هذه العادات الاجتماعية. فرغبتهم في الإفصاح عن مشاعرهم تضعهم في مصادمة مع الجيل القديم.
النشط الاجتماعي يعقوب ولد سيدي يوضح “السحوة عادة سيئة تحولت على مر السنين إلى مرض نفسي. وتشكل اليوم أحد عوامل التفكك بين الأسر وحتى الزيجات”.
وعلق قائلا “السحوة لا تخدم الهيكل الداخلي للمجتمع كمؤسسة تتجسد من خلالها قيم الوحدة والتضامن. لذلك ينبغي على المفكرين تنوير الجمهور من أجل التغلب على عادة لم تعد مبررة في وقتنا الحالي”.
الانفتاح على التأثيرات الإعلامية أضعف الممارسة في صفوف سكان المدن، في حين أصبحت أكثر قوة في المناطق القروية والفلاحية.
ومع ذلك، يبدي سيدي ولد يحي، أستاذ التاريخ، تفاؤلا بأن السحوة ستختفي. ففي المدن وبفضل “الديناميكية والانفتاح على مختلف الأفكار الوافدة من الداخل والخارج” فإن العادات مثل السحوة و لبلوح (التسمين الإجباري للفتيات) سيكون مصيرها إلى الزوال في نهاية المطاف.
وقالت شابة لنا “ليس من السهل التغلب بشكل مفاجئ عن العادات الموروثة. لكن روح التجديد كافية لرميها في مزبلة التاريخ”.
ومن جانبها تقول مهلة، 30 عام، “المشكل أن هذه العادة لا ترتبط بأسرة واحدة أو قبيلة من القبائل أو جهة من الوطن، فالجميع يجتمع في ظلها للهرب من شمس الحداثة”.
واسترسلت موضحة “عادة ما أرضخ لها فقط لأجنب أسرتي فحيح ألسنة الآخرين ليس إلا. الكثيرون من جيلي يرون هذا الرأي ويتطلعون إلي عصى سحرية تبدد الخوف في النفوس وبالتالي تتم مجابهة الواقع على أسس عقلانية”.
الرجال في موريتانيا تتباين آراؤهم حول السحوة.
محمد عال يقول دافع بقوة عن الممارسة “أعرف أن بعض الشباب بدأ يضيق ذرعا بهذه العادة بسبب بعض القيم التحررية الوافدة لكنني أنصحهم بالرجوع عن ذلك. السحوة تصون شرف وكرامة المرأة”.
لكن سيدات لا يوافق على هذا الرأي ويقول “السحوة ليست إلا سلطة في أيدي الكبار خاصة الرجال لإخضاع الصغار والنساء”.
وختم قائلا “المرأة هي التي عانت وتعاني من هذه العادة التي تكفر بالندية بين الجنسين وعليه فينبغي تجاوزها”.