منذ يومين تواصل إدارة “كينروس تازيازت” اجتماعاتها في جزر الكناري حيث مقر مكتبها الاقليمي الذي يشرف على تسيير منجمي غانا وتازيازت، ويبدو أن وضعية منجم تازيازت تتصدر الاهتمام حيث أنه عرف خلال شهر يناير الماضي هبوطا بحوالي 20 % لأسهمه.
وقد بدأ الحديث مؤخرا عن أن الممولين للشركة، بدأوا يطالبون بالعمل على خفض النفقات بهدف خفض تكاليف إنتاج يرونها مبالغا فيها. وقد تكون الفرصة مواتية لاتخاذ قرار بشأن الضريبة الجزافية البالغة 1.25% المطلوبة من طرف إدارة الضرائب الموريتانية.
كما ينتظر أن يعمل المكتب الاقليمي على إعداد دليل إجراءات من أجل ضبط تسيير الشركة التي يشكو عمالها كثيرا من غياب الاجراءات.
لقد حصلت كينروس على منجم تازيازت سنة 2010 من الشركة الكندية Red Back Mining من خلال صفقة بلغت 7.1 مليار دولار، ورسمت برنامجا طموحا لتوسيع نطاق نشاطاتها، غير أن هبوط أسهم تازيازت في يناير 2012 دفع الشركة إلى تأجيل بناء مصنعها لفترة في انتظار صدور نتائج عملية إعادة تقييم للمشروع، وهي الفترة التي قدرتها صحيفة كندية بستة أو تسعة أشهر.
التحايل على الضرائب
وفي إطار مشروع توسعتها –الذي يبدو أنه تعطل إلى أجل غير مسمى- ارتبطت كينروس تازيازت، بعقود مع مجموعة من الشركات الدولية أدخلتها إلى موريتانيا –بطريقة غير شرعية- وكأنها امتدادات لها لتجنبها دفع الضرائب لموريتانيا. ومن بين تلك الشركات المكتب الكندي للدراسات: Hatch، الذي تتمثل مهمته في دراسة ومتابعة توسيع المشروع، ومن أهمها شركة البناء Consolidated Contractors Company وهي مملوكة لفلسطيني من لبنان مقيم في اليونان، وتم التعاقد معها لتنفيذ الجانب المتعلق بالهندسة المدنية للمشروع مقابل مبلغ 1 مليار دولار.
وبعد توقيف المشروع تم منحها “هدية” كان ينبغي أن تعود للشركات الوطنية تتمثل في بناء مطار تازيازت وتعبيد الطريق الرابط بين المنجم وطريق نواكشوط نواذيبو بالاضافة إلى كل الأعمال المرتبطة به ومد أنابيب لنقل المياه الصالحة للشرب من نواذيبو لتازيازت. ولأجل ذلك تستخدم الشركة 110 موظف مستجلبين ليس من بينهم إطار واحد موريتاني، ولا تخصص للموريتانيين سوى العمل العضلي حيث تكتتب 300 عامل 5/6 منهم من مجموعة قبلية واحدة.
هناك أيضا الشركة التركية DORCE المكلفة ببناء حي سكني من 7000 غرفة مقابل 100 مليون دولار، وهي تشغل 500 أجنبي و 600 عامل محلي تسند ل 80% من بينهم “أعمال صغيرة”. وهناك الشركة الفرنسية FriedLander المتخصصة في الأنابيب والمكلفة بجلب مياه البحر لسد احتياجات المصنع، وهي تشغل 50 مستجلبا بالإضافة لبعض العمال 70% من بينهم من دول إفريقية.
ومن بين أهم الشركات المتواجدة تحت “حماية” كينروس، شركة C.I.S المعروفة في موريتانيا ب C.N.A والمكلفة بتوفير التغذية مقابل 11 ملون دولار، وتشغل C.N.A 30 أجنبيا و 400 عامل موريتاني من دون عقود ويعملون 12 ساعة في اليوم مقابل 70 ألف أوقية شهريا ومن دون أن يستفيدوا بالطبع من أي تعويض عن ساعات العمل الاضافية.
ولا تخفي العمالة الموريتانية امتعاضها من المعاملة التفضيلية التي يتلقاها عمال كينروس المستجلبون والمسيرون من طرف المكتب الاقليمي في لاس بالماس، لدرجة أن بعضهم بات يعتقد –بعد ما رأى من تمييز ومن تهرب ضريبي- أن كينروس تازيازت هي مجرد “عملية احتيال كبيرة وأن السلطات الموريتانية مهما بذلت من جهود صادقة لن تستطيع فرض الشفافية داخل تجمع المصالح هذا”.
تجمع مصالح
العارفون بالشركة يفسرون كلما يجري داخلها، بأنه نتيجة تصرفات ما يعرف “بالفريق المسرطن” صاحب الماضي المعروف في مشروع كينروس بمدغشقر قبل سنتين. يتكون هذا الفريق من نائب الرئيس الاقليمي Patrick Hikky المعروف بالمكر والابتزاز السياسي، بالإضافة إلى مدير المصادر البشرية Guy de Grand-Près المتخصص في توزيع الرشاوى. وبالنسبة لبعض الموظفين فإن هذه المجموعة تفرض هيمنتها على تازيازت وتستخدم الخبرات القانونية المتوفرة لها من أجل التحايل إلى أقصى حد ممكن على حقوق العمال وإجهاض أي تحركات مطلبية لهم.
ومن أجل تنفيذ مخططها، تتحالف المجموعة مع رئيسة مركز الاكتتاب التابع للشركة وهي الكولومبية Patricia Mello التي تحاول أن تلتزم في الظاهر بنوع من الشفافية في طريقة عملها وإن كان العمال لا يشكون في أن اختياراتها تتأثر بعلاقاتها الخصوصية.
ويمتد تأثير المجموعة المسرطنة إلى العلاقات مع السكان المحليين، عبر العلاقة الخاصة التي تربط نائب الرئيس بالمسؤولة عن تلك العلاقات Fabiana التي لا تفهم الكثير عن ألئك السكان ولا تكترث لطموحاتهم.
هل وصلت الحرب على الفساد إلى كينروس تازيازت؟
رغم إعلان رئيس الجمهورية تمسكه بحربه عن الفساد، فلا يعرف ما إذا على اطلاع بما يجري داخل الأروقة المظلمة لتازيازت. ما هو مؤكد أنه استقبل مسؤولها الأول وأكد له بوضوح أنه من غير المنطقي الاستمرار بالقبول بالنسبة الهزيلة (3%) التي تدفعها شركته، لكنه أكد له في نفس الوقت أنه ضد التأميم. ولا نعرف ما دار بينهما أكثر من ذلك.
لكننا نعرف أنه بعد ذلك اللقاء بفترة، حطت مجموعة من “أبناء عمومة” الرئيس في تازيازت وتسلمت وظائف مهمة في الشركة المنجمية. حينها برز أمل بأن “رجال الرئيس” ألئك سيكونون عينا للدولة على ما يجري داخل الشركة الكندية، غير أن الواضح حتى الآن أن معرفة ما يجري خلف الستار الحديدي -الذي تم التفاوض بشأنه بدقة- سيظل حكرا على منهم بداخله أو من هو معهم في شراكة.
ملخص لمقال: Kinross-Tasiast :L’or est de silence
عبد الفتاح ولد محمد