فسال لعاب الشعب و استفزه العجب و غرته حلاوة الكلام ، عما ينتظره في الأمام ، في جنات و عيون وقلاع و حصون ، وعيش رغيد ، و مستقبل سعيد .
فأعطى جل أصواته و جلس ينتظر أمنياته ، فمر الشهر و الشهران ، و العام و العامان ، حتى قال قائل الشعب : أين الحق من الكذب ؟ لقد زاد الفقراء وقل الأغنياء و حلقت الأسعار فوق الأقمار ، ثم جاء في الأخبار عن عقد حوار بين الثيران و الخرفان ، لإحلال التصافح مكان التناطح ، و إرضاء الخراف ببعض الأعلاف و تجديد الأظلاف فالعام جفاف و الكل قد خاف .
و أجلت الإصلاحات كتأجيل الانتخابات ومددت بطاقة التعريف و بددت سياسة التجفيف ، للفساد المخيف بشئ من التخفيف و شاع التصفيق ، و أنواع التلفيق حتى قال أحدهم ما معناه في مدح مولاه :
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
ثم أردف و على كلامه حلف : لقد أنشئت المستشفيات و جلبت أرقى الآلات ، و فتحت الحوانيت وقسم الحوت ، و قلت نسبة الوفيات و كثرة نسبة الولادات وزاد الدخل وتطور النقل وقل السراق وحرم النفاق ، و جلب الماء من آفطوط إلى العاصمة نواكشوط ، و عبدت الطرق ، و حسن الخلق .
ثم واصل المسكين يفصح و يبين عن عديد إنجازات جلها شعارات ، صاحت بها الإذاعات و ضجت بها الشاشات ، إلا أن الإشكال في بعض ما قال أن الجيوب الفارغة طوحت بأهلها الفاقة فلم تترك منهم باقة ، و أن أشباه العمال و لا عمال يستلمون مرتبات هي أشبه بالصدقات ، تدفع لأموات لم يخرجوا بعد من الحياة أشباح بلا أرواح ، لم يطرقوا بابا للأفراح ولم يفكروا يوما في النجاح .
فهذا حال العاملين فكيف حال العاطلين ؟
حدث ولا حرج ، فالحق أبلج و الباطل لجلج ، و لن تعدم الحجج ، فقد رصدت الميزانيات ، و استدرجت التمويلات ، للمشاريع الكبيرة و تلك الصغيرة ، و شيدت وكالة للدمج تأمها الناس من كل فج ، فتطلعت النفوس ، و اشرأبت الرؤوس ، لكن الجمع أحبط و في يديه أسقط ، فقد دفنه النسيان في مقابر الحرمان وما عاد يسأل عنه إنسان و أوصدت الأبواب و تقطعت الأسباب و قبس الأمل غاب و الجرم كله في الانتخاب فقد أنفقت فيه الوعود ووثقت فيه العهود و أسرف في الكلام و بولغ في الإعلام و ضخمت الإنجازات مما أثار التساؤلات :
ما فائدة المستشفيات إذا تكدست بالأموات و من سيشغل الآلات حيث لا توجد خبرات ؟ و هل يجوز السكوت على مصير الحوت ؟ ثم أجبني بالضبط ما أخبار النفط ؟ سل السيارات عن حال المحطات تجبك الفاتورات وهل بقي أساس لمعدن النحاس و أين ذهب معدن الذهب أما الحديد ففيه بأس شديد …..
أما التعليم فعين الجحيم له أربعة رؤوس لا تحزها الفؤوس ، كثيرة الجعجعة قليلة المنفعة تتقنع بالإصلاح ، و تزعم النجاح ، و هي ليست بأهله و لا تخوض في شأنه أين وسائل المعلم وما كان به يحلم ، و أين دفاتر التحضير ؟ و أنواع الطباشير ووثائق المدير ، وميزانية التسيير التي بها يدير ؟ أين المحفظات و ما فيها من أدوات و أين الكتب ؟ هل غيبتها الحجب و كم عدد التكوينات لفهم الكفايات ، كل هذا الآن في خبر كان : سبع و ألفان . ثم كثر التسيب و فشا التسرب ، وشاع الإهمال و ساءت الأحوال و غاب الرقيب و توارى الحسيب .
و في يوم مشهود أمطرت فيه الوعود أعلن في مهرجان عن هذا البيان : لقد همت السلطة بإعداد خطة عنوانها التشاور و تشجيع التحاور لعلاج التعليم من وضعه السقيم .
فمرت الأيام و حلبنا الأوهام و أصابنا الملل و السآم ، ثم حدث التغير و أعطي الأمر بتشكيل لجنة من أهل المهنة لهذا الغرض و لذات المرض ، و نحن الآن ننتظر و الوقت سريعا يمر .
أما عن الصناعات و تشييد العمارات فلا مسمارا صنعنا و لا جدارا رفعنا لا بل عندنا صناعة وهي غلاء البضاعة لإنتاج الطماعة و استبدال القناعة وكذلك التشييد فقد هدم العديد من الإنشاء و البناء بحجة الفوضى ، فرحل أهله و سويت أرضه .
فيا أخي إسمع لعلك تقنع لقد نزع القناع وكشف الخداع و عرف السبب و بطل العجب و ما عدنا نثق و لا نصدق قالب الكلام المعسول المحشو بالمجهول و اتضح الخيار ورفع الشعار ، لا للتصفيق ، نريد التطبيق هيا للكفاح ، لأجل الإصلاح و نزع الحقوق للشعب المسحوق ، كفي وعودا لا تثمر عودا ، لا للتطبيل ، لا للتبجيل نريد التغيير من أجل الفقير و كلنا يسير يهتف و يشير : رب رحماك كم يعاني الفقير من أسى ماله عليه من نصير
يتلظى إهابه النار صيفا و شتاءا يذيبه الزمهرير
ما علي جسمه لباس يوقيــــه ولا عنده فراش وثير
: بقلم محمد ولد اعل و لد الشيخ
– معلم –