يتنامى في هذه الأيام “سخط” معظم الفاعلين في المجتمع المدني الموريتاني من أداء وزارة الثقافة والشباب والرياضة، نتيجة لما أسموه “بعجز” طاقم الوزارة عن إدارة قطاع متشعب وكبير، متهمين الوزيرة سيسي بنت الشيخ ولد بيده، بأنها لم تستطع انقاذ القطاع، وانما تركت الحبل على الغارب للوبيات عششت كثيرا في القطاع، ونهشت طيلة العقود الماضية من خيراته.
ويجد البعض أن كل الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد لاتقوم إلا بتبادل بسيط للمناصب بين نفس الشخصيات التي تعنى بإدارة هذا القطاع، دون ضخ دماء جديدة فيه، فالمجموعة التي كانت تتولى إدارة مصالح القطاع في عهد
الرئيس ولد الطايع هي نفسها التي أدارته في عهد اعل ولد محمد فال، وكذلك في عهد الرئيس المخلوع سيدي ولد الشيخ عبد الله، وهي التي تديره اليوم في عهد رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد عبد العزيز.
عقبات في وجه القطاع:
في إطار بحث “الساحة” ـ وهي تعد هذا الملف ـ عن الأسباب الكامنة وراء الوقوف في وجه تقدم قطاع الثقافة والشباب، والرياضة في بلادنا، زوتدنا مصادر من داخل الوزارة ـ رفضت الكشف عنها ـ أن معالى الوزير سيسي بنت بيده ترفض دائما التشاور مع طاقم الوزارة حول استراتجية القطاع، وانما تكتفي بأخذ رأي بعض المقربين منها اجتماعيا من مديرين في الوزارة المذكورة، مما جعل طابع الارتجال ظل هو السائد في كل الأنشطة التي تقوم بها تلك الوزارة.
واتهم المصدر الوزيرة سيسة بنت بيديه بشخصنة المؤسسات العمومية التابعة لقطاعها من خلال تعيين مقربين منها وتوظيفهم في تلك المؤسسات:
ـ ثلاثة مديرين في القطاع عينوا مؤخرا لأن هناك رابطة اجتماعية تربطهم بالوزيرة،
ـ تعيين مقربين من الوزيرة في “اللجنة الوطنية لليونيسكو“،
ـ منح تمثيل الشباب الموريتاني في الملتقيات الدولية لابن اختها، بالرغم أنه لاعلاقة له بقطاع الشباب،
ـ دمج مقربين منها في قطاع الرياضة،
ـ الاستئثار بالمنح الخارجية لصالح مقربين، والاستحواذ على مخصصات بعضهم…
ولم تكتفي الوزيرة بنت بيده ـ حسب هذه المصادر ـ بذلك، وإنما دأبت على أخذ “حصة الأسد” من كل نشاط من أنشطة جمعيات المجتمع المدني العاملة مع الوزارة مثل: (الكشافة، منظمات غير حكومية، رابطات الفنانين، رابطة الكتاب والأدباء الموريتانيين، دار السينمائيين، الشبكات الشبابية، النوادي الرياضية، الرابطات الشبابية…)
ومن ناحية أخرى فإن وزارة الثقافة والشباب والرياضة قد قلصت من دعمها للأنشطة الثقافية والفنية، والشبابية، والرياضية، فأكبر دعم قدمته وزيرة الثقافة لعام 2011 الجاري لهيئة من هيئات المجتمع المدني العاملة معها، كان مبلغ مليون أوقية لـ”دار السينمايين الموريتانيين” كمساعدة في تكاليف مهرجان الأسبوع الوطني للفلم.
وحسب مدير المهرجان محمد ولد إدومو فإن الاحتفالية انطلقت قبل أن تقدم الوزارة المبلغ المذكور، مؤكدا أن مؤسسته تولت نسبة 70% من تكاليف المهرجان المذكور.
“تراجع في الأداء“:
وحسب بعض الفاعلين في القطاع فإن أداء وزارة الثقافة تراجع كثيرا في الآونة الأخيرة، فعلى المستوى العمل الثقافي لم تتدخل الوزارة لدعم الكتاب والمبدعين من المؤلفين الهواة، كما تراجعت الأنشطة الثقاقية من ندوات فكرية، وأماسي ثقافية…الخ
ومن ناحية أخرى ظل المسرح الموريتاني يراوح مكانه فلم تهتم به الوزارة مؤسساتيا، أوإداريا، أوتنظيميا، وذلك بسبب الأزمات التي تتخبط فيها هذه الوزارة، التي تعتبر أن الفعل المسرحي والثقافي فعل ثانوي وهامشي بالنسبة للدولة. حسب بعض المسرحيين
فقد تراجع حلم المسرحيين الموريتانيين ببناء دار للمسرح، كما “يئس” بعضهم من سعي الوزارة إلى ترقية المسرح الموريتاني وانتشاله من براثين الخمول التي يعيشها اليوم، وجعله مسرحا جادا يعالج قضايا الأمة بكل جراءة وتبصر.
أما الفاعلون في الوسط الفني الموريتاني فينتقد بعضهم تعاطى وزارة الثقافة مع مطالب روابطهم وتجمعاتهم الفنية، مكتفية بمنح ناشطين منهم امتيازات عبر سلم ملتوية…
أما على مستوى الشباب فقد توقفت الأسابيع الشبابية في الولايات الداخلية، التى اعتاد عليها الشباب طيلة السنوات الماضية، وتم استبدالها بأيام للشباب في بعض مقاطعات الوطن، تنظم فيها مسابقات يرى يعض المشاركين فيها أن ممثلي الوزارة يعدون لائحة الفائزين فيها قبل انطلاقة المسابقة (الأيام الثقافية والشبابية في مدينة النعمة).
ورغم المخصصات الكبيرة التي يتم اقتطاعها من ميزانية الوزارة لمثل هذه الأنشطة، إلا أن المتتبعين لها يجدون أن الوزارة تكتفي بتوزيع بعض التجهيزات الرياضية الرخيصة الثمن، أو مبالغ مالية كجوائز “للفائزين” لا تتجاوز أكبرها عادة مبلغ 100.000 أوقية.
أما الأسبوع الجهوي الثقافي والرياضي للجمعيات الشبابية الذي ينظم عادة خلال كل سنة في العاصمة نواكشوط، فإنه مازال معطلا من طرف وزيرة الثقافة الحالية سيسي بنت بيده نتيجة لخلاف مع والي نواكشوط، وممثلي بعض الجمعيات الشبابية.
وذكر مصدر موثوق لـ”الساحة” أن الوزيرة ترغب في رصد مبلغ مليون وست مائة ألف أوقية فقط لهذا الأسبوع، في حين رفض البعض عرض الوزيرة، معتبرين ذلك المبلغ لا يلبي حاجات الأسبوع، واقترح والى نواكشوط على الوزيرة مبلغ 600 ألف أوقية لكل مقاطعة من مقاطعات نواكشوط التسع، لكنها رفضت اقتراحه، و”عطلت” انطلاقة الأسبوع الذي كان من المقرر أن تبدأ فعالياته في يوم الخامس من فبراير الماضي.
ومن جهة أخرى فإن الوزيرة سيسي بنت بيده لا تتفق مع قيادات الشبكات الشبابية النشطة كـ(الشبكة الوطنية للجمعيات الشبابية في موريتانيا، والشبكة الجهوية للجمعيات الشبابية في نواكشوط).
وأكدت مصادر من داخل هذه الشبكات لـ”الساحة” أن الوزيرة تهددهم بين الفينة والأخرى بتغيير قياداتهم، واستبدالها بقيادات تحت طوع الوزارة.
أما في المجال الرياضي فلا خلاف في الوسط الرياضي على وصف المرحلة الحالية التي تعيشها رياضتنا الوطنية إداريا وفنيا وماليا بـ”المتردي تماما“.
فقد اكد محمد عبد الرحمن ولد محمد الملقب “اجد” رئيس نادي “دار البركة” الموريتاني أن الفترة الحالية كانت الأسوأ في تاريخ البلد على اعتبار أن كرة القدم وصلت فيها “إلى مستوى الحضيض”، مستدلاً على ذلك “بالنتائج الكارثية للمنتخبات الوطنية وخاصة المنتخب الوطني لرياضة كرة القدم، إضافة إلى ضعف الدوري وتقلص عدد الأندية المشاركة فيه، ثم الانسحابات غير المبررة من التصفيات المؤهلة إلى أمم أفريقيا 2012″. قائلاً إن “هذه المرحلة خلفت وراءها إرثا عنوانه السلبية…
ويختصر محمد عبد الرحمن مشاكل كرة القدم في النقاط التالية:
قلة الملاعب والساحات العمومية في المدن الكبرى والمقاطعات.
نقص التكوين الإداري والفني (وكذا عدم وجود مدارس كروية تهتم بالفئات العمرية
قلة الموارد المالية
عدم اتضاح الرؤية لدى المسيرين للاتحادية
عدم الاستمرارية في العمل.
انعدام دعم الأندية وضعفها في الآن ذاته.
عدم وجود رابطة وطينية مستقلة تشرف على تسيير البطولات المحلية.
غياب التغطية الإعلامية.
عدم اقتناع الجمهور الرياضي بالذهاب إلى الملاعب، وهذه النقطة تحتاج إلى دراسة لحلها.
وتظل الوزارة ـ حسب المهتمين بالمجال ـ عاجزة عن تقديم حلول لهذه المشاكل تاركة الرياضة الموريتانية في أسوء حال لها منذ تأسيس الدولة الموريتانية الحديثة.
هذا إلى جانب انعدام البنى التحتية الرياضية اللازمة، فمعظم مقاطعات الوطن تفتقد وجود ملاعب رياضية، أو ساحات مجهزة للأنشطة الرياضية، كما تفتقد دور الشباب، ومركز الترفيه.
قضايا تحسب لوزارة الثقافة:
بالرغم من محاولتنا ـ ونحن عاكفون على إعداد هذا الملف ـ للقاء معالى وزير الثقافة السيدة: سيسي بنت بيده لاستفسارها حول بعض القضايا، واتاحة الفرصة لها للرد على الانتقادات الموجهة لقطاعها، إلا أنها لم تتح لنا تلك الفرصة، لأسباب هى وحدها من يدركها.
لكن ذلك لا يجعلنا نغيب بعض الانجازات التى يجد البعض أن وزارة الثقافة قد حققتها عن هذا الملف، والتي منها: انشاء معهد وطني للموسيقى، وصندوق لدعم سياسة الدولة من أجل صيانة وحفظ وتطوير التراث المادي واللامادي للبلاد، بالاضافة إلى استحداث مهرجان سنوي للمدن التاريخية تراثا عالميا.
فرغم المآخذ على ترتيب الأولويات بالنسبة لهذه الانجازات التى حققتها وزارة الثقافة الموريتانية، إلا أنها انجازات كانت محل اعجاب بعض المهتمين بالشأن الثقافي في البلاد.
صلاحيات ومهام وزارة الثقافة والشباب والرياضة :
تعنى وزارة الثقافة والشباب والرياضة كما يتضح من اسمها بهذه القطاعات الثلاث، ففي مجال الثقافة تتمتع الوزارة بالصلاحيات التالية:
• تأمين نفاذ جميع المواطنين إلى الحياة الثقافية وخاصة من خلال تطوير أنشطة ثقافية وإعداد وتنفيذ برامج تهدف إلى تقوية الإنتاج الثقافي الوطني ونشره؛
• العمل على تمهيد سبل الانفتاح الضروري على الثقافات الأخرى وعلى التطور الثقافي عبر العالم وذلك في إطار احترام أصالة وخصوصية الثقافة الوطنية؛
• ضمان صيانة وتطوير الثقافة الوطنية وتنفيذ الإجراءات الضرورية لترقية وتطوير أنشطة ثقافية وترفيهية والعمل على تفتق القدرات الخلاقة للمواطنين؛
وفي مجال الرياضة تعنى الوزارة بمايلي:
•تنفيذ الإجراءات الضرورية لترقية وتطوير الرياضة الجماهيرية والأنشطة الترفيهية،
• تنفيذ الإجراءات الضرورية لترقية وتطوير الرياضة التنافسية؛
• وضع نظام لتكوين الأطر المتخصصين في مجال تأطير الممارسة الرياضية؛
• الدفع باتجاه تطوير الحركة الرياضة الوطنية ( اتحاديات، رابطات، جمعيات، نوادي رياضية) وتأمين متابعة أنشطها.
أما في مجال الشباب تعنى الوزارة المذكورة بما يلي:
دعم مشاركة الشباب في أنشطة التنمية الوطنية؛
تنمية وتشجيع التبادلات بين الشباب على الصعيدين الوطني والدولي؛
تأمين التربية المدنية للشباب والقيام بتحسيسهم وتأطيرهم؛
تنفيذ الإجراءات الضرورية لتنمية الحركة الجمعوية في أوساط الشباب وللدمج الاجتماعي؛
تنفيذ التدابير الضرورية لتنمية الحركة الجمعوية والدمج الاجتماعل والاقتصادي للشباب ولتطوير الأنشطة الترفيهية.
وضع نظام لتكوين أطر متخصصين من أجل تأطير أنشطة الشباب،
تنسيق ورقابة ومتابعة الأنشطة الاجتماعية –التربوية الخاصة بالشباب، على الصعيد الوطني ذات العلاقة مع منظمات ورابطات الشباب.
أما فيما يتعلق بالميزانية المرصدة لوزارة الثقافة والشباب والرياضة فإن شح المصادر في هذا المجال جعلنا لم نجد رقما محددا يتعبق بتسيير الوزارة يمكن نشره، فالوزارة تتجاهل في موقعها الالكتروني الحديث عن ميزانيتها ، أو عن نفقاتها، أما المسؤولون فيقولون إن الوزيرة هي وحدها التي تستطيع التحدث عن هذا الموضوع.
لكنه من المؤكد أن ميزانية التسيير لسنة 2011 بالنسبة لوزارة الثقافة والشباب والرياضة بلغت مليار و405 ملايين أوقية 253161 أوقية، تخصص منها للتسيير 20175625 أوقية ، بالاضافة إلى 1000000 أوقية لدعم نشاطات ثقافية، و30 مليون أوقية مخصصة كدعم لرابطة الفنانين، و30 مليون أوقية كدعم لرابطة الكتاب والأدباء الموريتانيين، و 79 مليون أوقية دعم لاتحاديات رياضية، و7000000أوقية لتنفيذ مخيم عطل وطنية، و17727000 أوقية لتنفيذ مخيم عطل خارجية، و3000000أوقية دعم الأنشطة الترفيهية، و3954519 أوقية لتنفيذ قوافل ثقافية للشباب، و8991030 أوقية لتنفيذ نشاطات رياضية، و4070250 كدعم لندوات الشباب،20 مليون أوقية لاقتناء تجهيزات رياضية، و45 مليون أوقية لاقتناء أملاك ثابتة، وأملاك أخرى…
ولم تتأكد “الساحة” بعد هل وزارة الثقافة نفذت كل هذه الأنشطة بنفس المصاريف المدرجة في “قانون ميزانية 2011” أم لا؟
لكن واقع الحال يوحي بأن هذه الأنشطة العملاقة التى مولتها الدولة بمقدرات الشعب، وأقرها البرلمان الموريتاني لم تنفذ في مجملها، وان كان تم تنفيذ بعضها فلم ينفذ كم يلزم.
وعموما فإن معظم من التقيناهم من المهتمين بالقطاع، يؤكدون أن الوزارة تنفق الكثير من المال العام، مقابل انجازات ضئيلة على أرض الواقع، ويفسرون ذلك بانعدام الخبرة والكفاءة عند طاقم الوزارة، بدءا بالوزيرة التى يرون انها عينت املاء من ضابط عسكري سامي، وليس على أساس كفاءة تذكر، ثم انها كانت موظفة بسيطة في قطاع السياحة، ولاعلاقة لها بحقل الثقافة والشباب والرياضة، أما باقي الطاقم فمعظمهم لا يحملون شهادات عليا، وليسوا خبراء في هذا المجال.
كما يعتقد هؤلاء ـ أيضا ـ أن من أشد العوائق التى تقف في وجه القطاع، هو عدم الاستعانة بأصحاب الخبرة والكفاءة من خارج الحقل، ودمجهم فيه، فالحقل بحاجة ماسة إلى ضخ دماء جديدة فيه.
فهل ستصغى السلطات العليا لهذه النداءات، أم أن المحاصصة في توزيع الوزارات أقوى من كل تشخيص، وتبقى فوق كل اعتبارات؟
“الساحة“