أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / الفِكر والعِبر في استشهاد الزعيم معمر

الفِكر والعِبر في استشهاد الزعيم معمر

استشهد القائد الليبي، الزعيم معمر القذافي منذ أيام-كما رأينا-، لم يمت بطريقة كلاسيكية بتاتا، حيث تعرضت قافلته لقصف النيتو، ثم لا نعرف كيف بالضبط وصل إلى يد “الجرذان”، الذين مثلوا به حيا، وميتا، معاملة، وقتلا، وكانوا في نظر معجبيهم يطبقون شرع الله، ويثأرون لعزتهم، والعزة لله جميعا.

إن موت معمر القذافي أظهر الكثير من المتناقضات، تعيش تحت سماء واحدة في ليبيا، وفي العالم، وتنذر بيوم موعود، فلم يكن شيء مما حدث في المستوى المطلوب، إذ أن مقتل الزعيم لم يتقيد بالمعاملة الحسنة لأسرى الحرب شرعا، وقانونا، من نواحي عدة:

a  فالزعيم كان عرضة للإيذاء والضرب، وهذا مجرم قانونا، في اتفاقيات جنيف الأربع، التي تفرض معاملة سمحة مع أسرى الحرب؛

a  تمت تصفية الزعيم جسديا بطلقات نارية دون محاكمة، وبعد أن شارف على الموت بالضرب بالأرجل، والعصي من قبل عصابة من المجرمين، وهو ما ينافي الشرع، الذي كرم بني آدم، وأوجب على المسلمين أن يحسنوا القتل، ومنع التمثيل بالموتى، وكل ما يمت لصلة بالتشفي، والثأر؛

a  مات الزعيم ولم يحاكم ليقدم لنا “الجرذان” أدلة إدانته، ولنعرف ما إذا كان يستحق تلك النهاية أم لا، وهل سرق فعلا أموال الشعب الليبي، وفي الحالة الأخيرة لن يكون العقاب القتل طبعا، فحد السرقة معروف، وفي قضايا المال العام هناك فقه يمكن الرجوع إليه؛

a  توفي العقيد ليدفن في مجاهيل لا تعلم، وهي سابقة لا يعلم لها أصل في عمل السلف، جاء بها جبريل الثوار إلى الخلف، ومن قاسمه المؤامرة من باقي قوادة المجلس الانتقالي؛

a  تم الرقص على الجثة وحولها، وتركت أمام أنظار العالم أياما، للتخويف، والترعيب، والترهيب من “الجرذان”، ولسن سنة دينية جديدة، يتم ابتداعها، تخالف سنة تعجيل الجنازة، وليتربى الأطفال على الأحقاد، والكراهية، والانتقام، بدل قيم الشهامة، والإيثار، والسماحة، والمروءة، والأخلاق، والفضائل، والنخوة، والعزة، والعروبة الأولى غير هذه المشكوك فيها، أو المعروفة بالدناءة، والرذالة.

مات العقيد في جو احتفالي، تبجح فيه طاعنوه في الظهر، وكأنهم أبطال حقيقيون “وما يوم حليمة بسر” كما تقول العرب الأولى، فلولا “النيتو”، والنفط العربي لما استطاعوا مضيا، ولا يرجعون، وقديما قتل أحد سفهاء بني أسد حجر بن كندة بن آكل المرار، والد امرؤ القيس الشاعر الشهير، ولم يتلبث أن بدأ يفاخر في قومه، تماما كما فعل قاتل القذافي، وقتلته الآخرون، ولكن كان العرب آنذاك في جاهليتهم الأسمى، والأفضل من كثير من إسلام اليوم، فقالت بنو أسد للقاتل مقولة مأثورة: “لا تفاخر، فو الله ما هي إلا طعنة ظهر، وما أنت لحجر بكفء”.

لم يمت معمر موت الجبان، ولم يهرب لفانزويلا، ولم يسلم ليبيا لطائرات الأطلسي الآثمة، فقد جسد ملحمة بطولية خالدة، في وجه الإمبريالية، وعملائها، مناضلا في عمر زهاء السبعين، أو أقل قليلا، وكان له أن مات في أعمار أمة محمد “ص”، التي ورد في الحديث “أنها بين الستين والسبعين”، ولم يكن وهو في السبعين من العمر يضربه أبناء جلدته ليراهم العالم، وهم يباهون بالعنجهية والجهالة الجهلاء باكيا، لم يكن باكيا باختصار، كان منهكا نعم، وكان شيخا ضعيفا نعم، وكان يقول لهم يا أولادي ربما، لا أحد يثق بهم، وكان يقول لهم : حرام عليكم، نعم …شبه أكيد، كما رأينا في الإعلام، نعم حرام عليهم.

في الغرب لا يمثلون بشيوخهم بل يحاكمونهم، كما حدث لبينوشى، ول ميلوزوفيتش، الغرب صار يتفوق على أبناء محمد “ص” في حقوق الإنسان واحترامها، والشرق نسي وصايا محمد “ص” وصحابته بالنساء، والأطفال، والشيوخ، المرأة أنهكها حتى دوت أبواق الغرب، والأطفال ما زالوا لأثرياء أدمنوا اللواط، والسحاق، والشيوخ ها هو الزعيم بن العشيرة، والديار، والمضارب يجرجر، والإعلام العربي أكثر خسة من الغربي، الذي بعد أن ساهم في الجريمة امتنع معظمه عن بثها.

مات العقيد معمر القذافي أبو منيار، وبقيت صور شتى له تعيدنا للماضي الجميل:

ü    فها هو في خيمته يستقبل الوفود، ويشرب لبن النوق، ويلبس ثوبا إفريقيا مبرهنا على صلاحية إفريقيا وأهلها، ومحترما خصوصية ربعه، وأهله، وثقافتهم؛

ü    وها هو يقبل “برلسكوني” يده، لتكون أول يد يقبلها المستعمرون؛

ü    وها هو يمزق، ويرمي ميثاق الأمم المتحدة، الذي سن الفيتو للخمس الكبار، “أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين”، الذين بفضل ذلك الميثاق سيستطيعون إلى أن يشاء الله العبث بالأمم، ومقدراتها؛

ü    وهاهو ينال التعويض عن الاستعمار من ورثة العربدة الغربية، الامبرياليين الجدد؛

ü    وها هو يفرض على سويسرا المعاملة بالمثل؛

ü    وها هي خطاباته الممنوعة على الجزيرة متوفرة في “النت”.

      توفي أبو منيار، بعد مقاومة قوى الشر العالمية 9 أشهر، ناصبه فيها العداء الخليجيون، سادة الرياء، والنفاق، والأوروبيون زعماء الاستعمار، ولم يكن في دولته ما يبهج أصحاب السعادة والسمو، المفسدين حول العالم، فلا رجل للواط، ولا امرأة للزنا، ولا زعيم يركض خلف الأمراء، ولا تآمر لغزو العراق، وقتل الزعيم، الرفيق: صدام حسين المجيد.

      وعبر الأشهر التي كانت تمر مثقلة أنينا، ومكاء وتصدية على قلب قناة الجزيرة “العبرية” لم تكن ثمة صور للعقيد مع اليهود، وإنما الإشاعات عن وقوفهم إلى جانبه، وهو محض افتراء، يصدقه أغبياء الأمة، وما أكثرهم.

افتراء لأن اليهود لا يحارب النيتو من يوالونه، ولأن اليهود لا يحبون القذافي، الذي كان يدعم كل نضالات عبد الناصر ضدهم، ولأن العقيد كان ممولا أساسيا لغزة في كل اجتياح يقوم به اليهود، ربما نسي الغزاويون ذلك، لكن التاريخ لا يرحم، وأمريكا قادرة دائما نتيجة الفيتو، هي وباريز، وبريطانيا على إيقاف حروبهم الخاصة، فما بالك لو كان اليهود يريدون معمرا، وهم يتحكمون في الكونجرس الأمريكي، هل كان النيتو ليحارب لسواد عيون المسلمين، وهو لم يتدخل في البوسنة والهرسك إلا بعد أن صار البوسنيون أقلية بفضل التقتيل، الذي طالهم من الصرب، ولم يمسك بميلوزوفيتش، ثم جاء الأمريكان لحفظ ماء الوجه، فأمسكوه، وقدموه للمحكمة حيث عاش حتى الموت، وصدام قدم لمحكمة وطنية بعد التشهير بصوره فاتحا فيه الشريف، ثم حوكم في مهزلة سابقة تاريخيا، وأعدم في الأضحى، ولم ينكس عليه الأعلام إلا أبو منيار معمر القذافي، الذي استنكر قتله صراحة يومها، وكم قال رحمه الله كلمة الحق !

انتظر الجرذان المؤسسة الخيرية، التي اسمها “النيتو” لتغير على القذافي، وبعدما أنفقت ميزانيتها المخصصة للحرب 10 مرات ضربت قافلة الزعيم، فاستأسد فئران الدروزوفيلا، على الأمين المدافع عن شرفه، وأرضه، وعرضه، قتلوه قاتل الله قاتليه.

كانت سرت إعلاميا تتحدى بالأفارقة، والمرتزقة، وحين انجلى غبار المعارك الضارية، التي ظفر فيها معمر بالمقاومة، والشهادة تبين المشهد، لينبئ عن حقيقة تاريخية، مفادها أن العقيد، وأبناؤه، وأنصاره هم رجال الوغى، وليسوا الأفارقة، الذين قتلهم الثوار ظلما وعدوانا، بشهادة هيومان رايت ووتش، والصليب الأحمر، ومنظمة العفو الدولية، ولكن على رأي عبد الباري عطوان هم أيضا لا بواكي لهم، تماما كمقتل حمزة في أحد.

مات الزعيم، ومات المعتصم بالله، ماتا أبطالا، وبقي أوكامبو يال سخرية القدر، يريد محاكمة سيف الإسلام، وفي المؤتمر الاستعراضي للمحكمة الجنائية الدولية 2010 لا يتذكر كثر، بل لا يعرفون شعارا نظمت تحته هيئات حقوقية ندوة على هامش المؤتمر، بعنوان “غزة بلا محكمة”، نعم أوكامبو لا يعنيه دمنا، ولا هم له إلا في محاكمة سيف، وقد تحدث العقيد قبل موته عن سرطان الانتقائية في العدالة الجنائية الدولية أمام الأمم المتحدة، وعن التدخلات العسكرية الغاشمة لأمريكا، وعن أن طالبان كانت كالفاتيكان دولة دينية، ولكن شاءت لها الأقدار أن تنتقى بالحرب على الإرهاب.

رفض العقيد كما جاء في شهادات على النت تفجير مطار طرابلس، وتفجير مصافي النفط، وكتب في وصيته عن عروض بالبقاء مدى الحياة في السلطة مقابل النفط، وهذا منطقي جدا، وأجمل ما ذكره في وصيته هو افتتاحها بالآية :” كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة”.

بموته فرح الصحفي اليهودي، الذي عرفناه ثائرا على نظام القذافي “برنارد هنري ليفي”، وألقى قبل موت الزعيم بقليل محاضرة في جامعة تلأبيب إلى جانب “اتسيبي ليفني” أكد فيها أهمية سقوط القذافي، وأن ليبيا مثل سوريا عدوة، ولا فرق في التدخلات العسكرية بينهما في جواب على سؤال، والحقيقة أن ثمة فرق، ثمة النفط الكثير، وثمة ما لا يعلمه إلا أبناء قيافة.

قتل الزعيم لأن “الخلايجة” رأوه مفسدا، هو وأبناؤه، لم يتعلموا من الملوك والسلاطين والأمراء الزهد، ولا من آلهم، وصحبهم، واستطاع كاميرون الطاهر، والظاهر سركوزي أن يعيدا لعمر المختار صيته، وهيهات أن يفرح معمر، أو عمر لا فرق بعودة الفاتحين المستعمرين، ففي 1911 قاتلهم عمر المختار حتى الموت شنقا، وفي 2011 جالدهم معمر القذافي حتى الشهادة، فليرحم الله الجميع، والتاريخ مولع بإعادة نفسه.

وأسوأ ما في العرب أنهم لو صحبوك الدهر، وعثرت بك البقلة لبدؤوا السباب، وهكذا بدأ شلقم “يتشلقم” على زمن لم ينكره إلا بعد والعصر، فسبحان الذي لين له القلوب، وسبحان من صم آذان النخب الصالحة عن سماعه، والأزمة أزمة ثقة.

                 بقلم: د. دداه محمد الأمين الهادي                                                             

شاهد أيضاً

غزواني رجل دولة فلا داعي للقلق ../ الشيخ المهدي النجاشي – صحفي …

وأنتم تسيلون حبر أقلامكم وطقطقات لوحات هواتفكم بكثير من العنتريات احيانا والمزايدات على الموقف الموريتاني …