أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / التّعليم في موربتانبا أفسده المدنيّون فهل يصلحه العسكر؟…

التّعليم في موربتانبا أفسده المدنيّون فهل يصلحه العسكر؟…

بعد أن افسد العسكريون السّياسة، وافسدت السّياسةalt المدنيّين،و فسدت الدّولة في النّهاية بتراكم مجموعة من العوامل قد لا تكون وليدة اللّحظة بقدر ما هي ثمرة سنين عجاف من التّسيير الغير معقلن والفاسد تماما في بعض الأحيان نتجت عنه فوضى خلاّقة افسدت الصّحّة وغيّبت العدل وافسدت التعليم الذي بفساده يفسد المجتمع،لكن ما حال دون فساد المجتمع هو بقاء التعليم الأصلي “المحظريّ” يمارس مهمّته الّنبيلة في تخريج فطاحلة العلماء لأنّه كان ولا يزال هو التعليم الوحيد في هذه البلاد دون منافس، فالتّعليم الّنظامي لم ير الّنور إلا مع دخول المستعمر في بداية القرن العشرين حاملا معه المدرسة النّظامية ،ولهذا بدأ المستعمر فور دخوله في إنشاء مدارس كانت أوّلها:مدرستا كيهيدي وأبي تلميت(1905م)، ثمّ مدرسة بوكي(1912م)، ومدرسة أبي تلميت الثّانية سنة(1913م)، وتمبدغة(1935م)، وأطار(1936م)،وكيفة(1939م). وهكذا ظلّ عدد المدارس محدودا حتىّ سنة 1947م حيث بدأ في التّزايد بشكل ملحوظ، ومع إرهاصات
الاستقلال خصوصا بعد “انتفاضة حزب النّهضة”
وما عقب استفتاء “نعم، ولا” , وفي خضمّ تلك التطورات صدر المنشور رقم  138 بتاريخ
15/10/1957م هذا المنشور موّقّع من طرف المختار ولد داداه رحمه الله والمفتّش
الفرنسي الأكاديمي.

وتوالت هذه المدارس إلّا أنّها واجهت معارضة شديدة وخاصّة من طرف بعض العلماء ومشاييخ المحاظر، وقد عمل المستعمر بكل الجهود لاحتواء التعليم الأصلي , وأورد هنا فقرة من تقرير الحاكم
الفرنسي الذي يقول: “إنّ مشكلة التعليم في موريتانيا وجدت منذ اليوم الأول للاحتلال، وهي ظاهرة جدّ
مستعصية ففي الوقت الذي وجدنا فيه أنفسنا بالنسبة لبقية المستعمرات متعطّشين لتقليدنا
وجدنا المقاومة الإسلامية في موريتانيا ضدّ نموّ تأثيرنا عن طريق التّربية الفرنسية قد
ظهرت قويّة شديدة، إنّ البيظان الموريتانيّين منذ قرون والذين كان وما زال عندهم فقهاؤهم لم يجدوا في حضارتنا الإعجاب الذي عند الدّول الأخرى
وهكذا وقفت أمامنا موجة قوية من التعليم الذي يقدمه لمرابط “.

وبعد دراسة المستعمر لوضعية السكان في موريتانيا قسّمهم إلى فئتين: فئة تستوطن المناطق
المحاذية للنّهر وتتكلّم بلهجات غير منحدرة من العربية وارتباطها بالتعليم العربي ارتباط
ديني فقط , وفئة تتكلّم اللّهجة الحسّانية المنحدرة من العربية , وذلك لافتتاح مدارس
فرنسية محضة للفئة الأولى، ومدارس من نوع آخر للفئة الثّانية تجمع بين التعليم الفرنسي
والعربي التقليدي , حيث فُتحت مدرسة أبي تلميت الثانية (1913م) لهذا الغرض , لكن هذه
المدرسة واجهت العديد من الاضطرابات مما أدّى إلى توقيف الدّراسة فيها خلال الحرب
العالمية الأولى , ثم أعيد فتحها بعد ذلك ,
وحُوّلت في فترة ما إلى المذرذرة , ثم أعيد فتحها بعد ذلك سنة 1929م.

ولم تلاق المدرسة في شكلها الجديد أي إقبال يذكر لا في منطقة حوض النّهر ولا في المناطق
الأخرى، وإن كانت الإدارة الفرنسية قد حاولت تلميعها باختيار طلاّبها من بين أبناء زعماء
القبائل وتشكيل طاقم تدريسها من جزائريين وعلماء من خريجي المحاظر لعل تواجد هؤلاء إلى
جانب الفرنسيين في مؤسسة واحدة يخفف من نفور الأهالي، لكن البرامج التعليمية في هذه
المدارس ظلت فرنسية بحتة وأهدافها استعمارية خالصة، وما أدخل من محتويات عربية لتلميع
الصّورة لم يكن ذا بال والذي هو عبارة عن ستّ ساعات من العربية مقابل أربع وعشرين ساعة من
الفرنسية، ومع تعدّد الإصلاحات التي شهدها هذا القطاع بدءا بإصلاح (1959م) الذي حدّد فترة التعليم الابتدائي بخمس سنوات وأدخل اللّغة العربية بشكل إلزامي في المرحلة الابتدائية بمعدل أربع ساعات ونصف للتربية الإسلامية (الدّين)، وأدخل ساعتين  أسبوعيا من اللّغة في المرحلة الثانوية بصفة اختيارية مع الأنجليزية، ويكتتب معلم (الدّين) من طرف الأمير أو الشّيخ الذي تنسب المدرسة لقبيلته.

وقد ينتقص من احترام هؤلاء المعلمين عن قصد ضمني , وكانت أهم أهدافه المحافظة على
النّظام التّربوي المفرنس خاصة بعد اضمحلال نظرة الرّفض والنّفور التي واجه بها المواطنون
التعليم في فترة الاستعمار, ومحاولة استقطاب الأهالي إلى المدرسة , وذلك بعد تلميعها
ببعض أعيان ورموز البلد.

وقد تحقق هذا الهدف فتضاعف عدد المدارس مما أدّى إلى افتتاح مدرسة تكوين المعلمين السّنة
الدراسية 64/65 واستقبلت آنذاك 100معلم.

وظلّ معلم العربية مهمشا في كلّ مراحل الفعل التربوي ممّا ساهم في تشكيل نقابة المعلّمين
العربيّين التي صعّدت النّضال ضدّ الإصلاح مطالبة بترسيم اللّغة العربية , ولئن كانت المراجع
تعتبر ما جرى في سنة 1959م إصلاحا , إلا أنه في اعتبار المربّين لا يعدو: “محاولة لتنظيم
الوضعية الإدارية للمؤسّسات التعليمية الموجودة أنذاك” , أما الأهداف فلا تختلف عن أهداف
الإجراء السّابق الذي اتخذته الإدارة الفرنسية لتلميع مدرستها سنة 1947م باستقطاب علماء
وطنين وجزائريين.،مرورا بإصلاح (1967م) والذي أقرّه مؤتمر حزب الشّعب سنة 1967م في لعيون وتمّ تعيين لجنة وطنيّة لمراجعة البرامج القديمة الموروثة عن المستعمر ووضع إصلاح يتلاءم مع الواقع

الحضاري للبلد.
وطبق بموجب القانون رقم 189-68 الصّادر بتاريخ 1/6/1968م وقد ورد في التّقديم لأهدافه ما
نصّه: “إنّ اللّغة العربية لغة وطنية ويجب الإبقاء عليها وهي لغة أدب ودين , إلى جانب
الفرنسية التي هي لغة الإدارة”.

كما أقـــــرّ مؤتمر حزب الشّعب سنة 1973م  إصلاحا عرف  بإصلاح  1973 تم بإلحاح من” الحركة الوطنية” لتوفير أدنى حدّ من الاستقلال الثّقافي وطبق بموجب القرار رقم 533-75 الصّادر بتاريخ 30/1/1975.

ليأتي بعد ذلك إصلاح 1979 والذي أقـــرّ بموجب المداولة رقم 0040/79 للّجنة العسكرية للخلاص الوطني (CMSN)   بتاريخ  18/10/1979م في محاولة من النّظام لإسكات الأصوات التي تعالت في اتّجاهات مختلفة وطنية وافراكفونية حيث استجاب لجميع تلك المطالب على تناقضها.

لتختتم قاطرة الإصلاحات  بإصلاح 1999 الذي أقــرّه القانون رقم 012/99 بتاريخ 26/04/1999م
ورث إصلاح 99 هذه اللّوحة المعتمة عن سلفه(إصلاح 79)، وحاول – نظريّا – معالجة نواقصها.

وتوجت الآونة الأخيرة بإطلاق “المنتديات العامّة للتّعليم ” والتي يعتقد عدد من المراقبين في موريتانيا أن انطلاقها  مكّن من تلاقي أطراف فاعلة عدة للبحث في أنجع السّبل الكفيلة بإخراج النّظام التربوي الوطني من وضعيّته المزرية المزمنة، وتلمس آفاق حقيقية لإصلاحه بشكل جدي ومستدام.. إلّا أنّهم يرون أن جهود الإصلاح المطروحة على طاولة هذا التشاور الوطني الموسّع، تبقى ذات طابع فنّي بامتياز؛ بينما يتخبط القطاع ـ من وجهة نظرهم ـ في أوحال التسييس والاستغلال ضمن أجندات حزبية محددة، إلى جانب مجموعات ضغط امتدّت أذرعها الأخطبوطيّة ـ لعقود طويلة ـ في مختلف مفاصله.

كما تمّ استحداث الثانوية العسكرية التّابعة لقيادة الأركان والتي يقول مديرها:”إنّ تلاميذ مؤسسته يخضعون لنفس المناهج التّربوية المعمول بها في النّظام التّربوي الوطني مع مزاولتهم لنماذج مبسّطة من التكوين القاعدي العسكري بغية ترسيخ روح الانضباط والإخلاص في العمل ضمن الفريق وتنميّة روح الانتماء والولاء للوطن،كما أنّ ولوجها يتمّ عن طريق المشاركة في مسابقة مفتوحة أمام كافة أبناء الوطن الرّاغبين في ذلك، مشيرا إلى أنها لا تفرض على التلاميذ الالتحاق بصفوف الجيش الوطني،ضف إلى ذلك أن الدّفعة الأولى من تلامذتها المشاركين في امتحانات الباكلوريا أحرزت نسبة نجاح ناهزت المائة بالمائة ،في حين أن نسبة النّجاح بشكل عام بلغت أدنى مستوى لها في تاريخ موريتانيا منذ الاستقلال إلى اليوم؛ حيث لم تتجاوز 2,5% على المستوى الوطني.

وإذا ما نجح العسكريّون حقّا في تطوير المنظومة التربوية فإنّهم بذلك سيكسبون لا محالة ودّ كثير من الموريتانيين السّاخطين على ذوي البزّات واللأحذية الخشنة المحمّلين وزر ما آلت إليه الأوضاع في البلاد نتيجة كثرة انقلاباتهم حتّى اصبحت موريتانيا بذلك تحتلّ “المرتبة الثّانية”كما يقول نبيل خليل خليل في كتابه”ملف الإنقلابات في الدول العربية المعاصرة”.

بقلم:الحضرمي ولد محمد ولد انداه – طالب موريتاني بالجزائر-

Email :elhadrami4252@yahoo.fr

 

شاهد أيضاً

غزواني رجل دولة فلا داعي للقلق ../ الشيخ المهدي النجاشي – صحفي …

وأنتم تسيلون حبر أقلامكم وطقطقات لوحات هواتفكم بكثير من العنتريات احيانا والمزايدات على الموقف الموريتاني …