أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / أحمد عنتر .. شاعر تنبأ بالثورة/ د. دداه محمد الأمين الهادي

أحمد عنتر .. شاعر تنبأ بالثورة/ د. دداه محمد الأمين الهادي

” .. والبراكين تحترف الصمت؛alt

لكنها لا تموت؛

وتعرف عن قشرة الأرض؛

ما يجهل العلماء الأساطين والسادة الخبراء؛

وتعرف ميقات تفجير أحلامها .. ؛

وكيف يتم التزاوج بين العواصف والنار؛

في مهرجان تقوم على جانبيه الحراب ..

إذن .. لم يبتسم الحالمون بقهر الشعوب؟؟ .. ؛

وكيف غفت فوق حلم الغنيمة عين الذئاب .. ؟؟!!”.

أحمد عنتر مصطفى

—————

… الشعراء عادة يسجلون اللحظات الشعورية الإنسانية، محاولين فك الشفرات السرية، المتعلقة بغوامض الحياة، المتدثرة بالصمت المريب، .. إنهم يكثفون الصور لتنعكس إشعاعا، يلف الغموض مادته، بحيث تستعصي على الأزميل، الذي يحمله المتلقي، فيبقى الفهم يطاوح في مشيته طلبا لفيض إلهام، أو نبع منطق، يقرب المسافة بين طوباوية، وبراءة الحروف، وبين ترنيم الواقع.

ولكل شاعر بصمته، وميدان يبحث فيه بانحناء مقدس عن الماورائيات، النابعة من “هيرومنيطيقا” تستشرف حيثيات الوقائع المقبلة، وتستنزف الأفكار في سبيل معرفة مآلاتها المستعصية على الإدارك.

وإذا كان عبد الحليم قنديل تحرر سياسيا من خوفه من فزاعات السلطة، وعبر واثقا من منطلق الإيمان بأن الزعامة ليست دائمة عن عناد باسل، وشجاع للسلطة ..، فإنه لم يكن وحده، كانت معه حركة “كفايه”، وكان معه نفر من المناصرين .. وإن قلوا .. لكنه كان صاحب الجموح، الذي نبه الراقدين، والمتراقدين إلى أن باستطاعتهم أن يغلبوا ضعف عزائهم، ووهن طرائقهم …

كان ذلك حدث سياسي يستحق الإشادة، والتنويه، لكن الأدب هو الثاني كان صحيا، يتعجل في أرديته البيضاء ضمير النصر، ويضع عمامة الوعي، لكن في يسيره، فالغالب في ركب ولائم السلطان ..، ومن الثوار السابقين زمنهم كان “عنتر” اسما على مسمى، ليس جديدا مستحدثا في عالم الفروسية، والرماية، واقتحام مسارات الدروب المستحيلة، والمدوى دونه بسياط الجلادين، ف”أحمد مصطفى عنتر”  في قصيدته “ابجدية الموت والثورة”، ذات التفعيلة “فعولن” متقاربة الخطو، متحررة النسق أوصل في بريد الإيحاء المباشر رسالة مفادها يشي بحقيقة الزمن، حيث يمكن عد الخطى بين 2000، و 2012، فالأول تاريخ صدور الشعلة، الصادحة بصوت غامر يستجلي غيبيات المستقبل، والثانية سنة تحقق نبوءة الثورة ..

فعنتر أدرك منذ اللحظة الأولى في ديوانه المهدى للكبير “أمل دنقل”، وإلى أدعياء الشعر أن لا أمل في التصالح، فالوئام بين الجلادين، والبسطاء المتهالكين مناط السماكين، لذا نعى قدسية سمو فيالق آكلي القرابين، وانتظرت الثورة من ثم 12 عاما كاملة بثوانيها الخالدة العقاربية، التي لا نعرف بالضبط كيف صبر عليها هيكل الحب المتصدع، المبني من جماجم المحكومين، المتفانين في خزي المذلة، والتمني في أرضية من غبار المنافي.

يقول أحمد مصطفى عنتر:

” .. جامعوا الصدقات القليله..

حاصروني بإلحاحهم في الصباح ..

تدفق سيل الدعاء ..

(تعثرت في الدعوات الطويله) ..

حدثوني عن الله ..

عن جنة الأتقياء ..

صحت: يا أيها البسطاء .. ضيعتكم دروب المنى المستحيله ..

فالجنة الآن في الأرض ..

للأغنياء ومن يتقنون الرذيله ..”.

هي لعنة الكبراء إذاً، وفي مخايل التعبير ثمة دعوة معلنة للعصيان، وتوق إلى المسوح الخضراء، التي لا تختلف عن الربيع، .. ثمة تنقيب قاب قوسين من اكتشاف الثورة الحقة، اللاعنة زمن الانحناء، تستبيح لغة الشاعر من أجله الحفر، والنبش في البقاع المحرمة بقانون المستبد، وما تتلبث أن تزيح عن كاهل البسطاء بطاقات، وتوصيات النبلاء، الذين ينحدرون إلى السفح، بفعل الفتاوى المضللة، الداعية للكينونة السلبية، المسترخية في وجلها من عصف أصحاب السعادة، وهنا يداهم الوقت ليولد انقلاب على المألوف، تترصد العيون الملتهبة اللحظات المناسبة لتغافل الذئاب الغافية، متخمرة الأجساد من عصائر عرق الشعوب، متخثرة الدماء من مص أقوات لبروليتاريا الكادحة.

إن تلابيب الشعوب ليست أبدية في القبضة، ومن حكم عليها بالمؤبد عليه مراجعة برنامجه، تلك من فكر “عنتر” -كما أتبين-، وهي باعثة على الشعور بالحياة، ومعنويات مرتاديها المتصلبة، فلا يأس للأبد، حتى وإن كان شباب العصر الذري مهووس باليأس السريع، فالقنابل تجيد الخمول والخمود –وهي بنت العصر الآلي- ويوم تستعر يومئذ يود الذين التهموا النبع لو كانوا مذ زمن … لو كانوا ضحايا الرحيل عن الكرسي .. والمكيفات .. والزيجات الباردة.

ويترنح عنتر فيقول:

“.. كنت أهمس: (يمكث في الأرض ما ينفع الناس.. )..

حين رأيت الزبد ..

أبنية في المدينة تعلو و تسمق ..

أرصدة في البنوك ..؛

حليا تصل بأذرعة العاهرات ..

وفي الكتفين فراء ثعالب ..

ربما كان من عرق يتصبب في أوجه ران فيها الكمد”.

ويدلل عنتر في أسلوب بديع على سخافة المسرح المستولي على عقول الشعوب، وتقديس أصحابه للكلاب مقابل هزئهم بالناس، فللكلاب سلالات مقدسة، وآباء كرام، والبشر والوطن نقطتان سوداوان على ضمير الأرض، وبشهادة السماء، يقول:

“.. تسحب الأرض أشلاءنا ؛

فوق عورتها المستباحة ؛

سترا .. غطاء .. تجاذبه البلداء ؛

الذين يبيعون شوك المحن ..

والذين إذا ركدت هبوات المعارك ..

يستخلصون الوطن ..

مزقة من سنابك خيل الغزاة ،

يحلون منها الصدور،

مناديل تزهو بأكمامهم والمعاطف ،

والسترات الأنيقه!!

أو تكون رباطا لتزهو به العنق الشامخه ..

في مهرجان انتقاء الجميلات والزهر ؛

أو في معارض ذكر السلالات من عظماء الكلاب

ذوي العائلات العريقه!!”.

ويخلص عنتر في “أبجدية الموت والثورة” إلى حقيقة الشعوب، النائمة على الصحو، فيقول:

” .. البراكين لا تستقر عليها الوسائد ..

هم ينقشون على الماء أحلامهم ..

يبتنون من الوهم أيامهم ..

يحرثون البحار ..

وحين تثور الزلازل لا شيء يبقى ..

سوى قبضة الشعب حول الرقاب ..

وانطلاق الأعاصير من رئة المستكين ..

وفي نبرات جموع الغضاب ..

والبراكين ..” عود على بدء.

ولا كلام … ، فالوقت الذي لم يفكر خلاله المستبدون إلا بتهجين الأوطان، ومضغها تحت الأضراس المزروعة كان كفيلا بأن يفجر البراكين تباعا في ربوع المنفى العربي، الذي تطايرت فيه الحمم، استشرت العدوى، وصار الخلاص المنتظر من قبل المستبدين في الزنزانة رقم 1، المودعة في قلب “الغول”، صار الموت يشتهى، لكنه انقسم إلى نيف و سبعين جرعة، لكل منها سكراتها …، فما ضرهم لو كانوا محسنين، نابذين الأنانية، أصحاب مروءة مع الغير.

ذهب الذين مللتهم –يا شعب- ذهبت سرادقهم، ورد لبيت المال دانقهم، فهل ستذكر من يغني للحرية “عنتر مصطفى”؟…………..

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

غزواني رجل دولة فلا داعي للقلق ../ الشيخ المهدي النجاشي – صحفي …

وأنتم تسيلون حبر أقلامكم وطقطقات لوحات هواتفكم بكثير من العنتريات احيانا والمزايدات على الموقف الموريتاني …