أخبار عاجلة
الرئيسية / تحقيقات / خلاف بوعماتو – عزيز: الأزمة الغامضة!!

خلاف بوعماتو – عزيز: الأزمة الغامضة!!

من المختار السالم:alt

لا يزال الغموض يلف الأزمة بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز وابن عمه رجل الأعمال الشهير محمد ولد بوعماتو، بعد أكثر من سنة “هجرة” الأخير عن البلاد وإقامته في المغرب.
وحسب معلومات “المحيط” فإن كل الوساطات التي قادها مقربون من الرجلين فشلت حتى الآن في إعادة المياه إلى مجاريها.
وكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز قال “إنه لا توجد تصفية حسابات أو خلافات جوهرية بينه وبين رجال الأعمال، لكنه لن يقبل بتبذير أموال الدولة أو السماح للتجار بنهبها”.

ونقلت وكالة “الأخبار” عن قيادي بالحزب الحاكم، قوله “إن الرئيس أبلغ نواب الأغلبية بأن البعض- في إشارة إلى ولد بوعماتو – كان يأخذ أموال إحدى الشركات الوطنية (صوملك)، ويمنحها لها بفوائد تصل 14% من أجل التربح منها، وهو ما انعكس سلبا على الاقتصاد وقدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها، وإن الدولة رفضت السماح له بذلك في ظل العهد الجديد.. صحيح أنه غضب وغادر، ولكن نحن لم نستهدف أحدا، لكننا لن نسمح له بأخذ أموال عمومية دون مبرر. وبالتالي من غير اللائق أن يردد البعض بأن لدينا خلافات مع التجار أو أحد رجال الأعمال أو أننا نستهدف رجال الأعمال الوطنيين“.
وقد رصدت “المحيط”  شائعات كثيرة تدور في الشارع الموريتاني وفي أوساط النخبة، لعل أخطرها ما تداوله البعض من أن رجل الأعمال ولد بوعماتو قال “لن أعود لموريتانيا ما دام عزيز رئيسا لها”.
ولم تعرف بالضبط أسباب الصراع أو الخلاف بين الرجلين، إذ لم يصرح أي منهما علنا حول هذا الموضوع، وبدا وكأن طرفي الصراع آثرا إدارة دفة الصمت حتى إشعار آخر.
وأمام ذلك لم يبق إلا التكهنات التي تغذي هذا الملف، ومن بين ذلك أن غضب ولد بوعماتو يعود إلى أحد ثلاثة أمور أو كلها مجتمعة:
فقد تردد أن ولد بوعماتو أعطى التزامات كثيرة لجهات داخلية وخارجية خلال الانتخابات الرئاسية الماضية وقبل ذلك خلال الأزمة الدستورية (2008- 2009)، وأنه بعد مساعدته الجوهرية للجنرال عزيز في انقلابه وفي انتخابه، وجد نفسه أمام رفض الرئيس لتلبية تلك الالتزامات ما دفعه لمغادرة صف الرئيس والخروج من البلاد مغاضبا.
كما تردد أن الرئيس ولد عبد العزيز بعد فوزه في الانتخابات سعا لتقليم “الأظافر المالية” لولد بوعماتو لحساب مقربين آخرين ورجال أعمال صاعدين في ظل الحكم الجديد. وهو ما قد يكون ولد بوعماتو رآه إقصاء له من الساحة المالية الموريتانية التي تصدر مشهدها خلال العقدين الماضيين.
وضمن نفس السياق تردد كذلك، والعهدة على صالونات نواكشوط، أن الرئيس ولد عبد العزيز قضى على آمال ولد بوعماتو فيما يتعلق بالسيطرة على ثلاث قطاعات رئيسية في البلاد هي النقل الجوي، حيث تم “بعث” الخطوط الجوية الموريتانية تحت مسمى “الموريتانية للطيران”، وقد أصدر بذلك حكم الإعدام بحق “موريتانيا أرويز”، المؤسسة بين ولد بوعماتو وتونس، والتي أفلست مع أول تحليق للموريتانية للطيران، كما تم ضخ السيولة في الشركة الحكومية للغاز، الأمر الذي منعها من الإفلاس الذي كانت تقف على شفيره، والذي كان سيجعل من شركة بوعماتو للغاز، المهيمن الوحيد على سوق الغاز المنزلي في البلاد، وينطبق نفس الشيء على قطاعات اقتصادية وتجارية أخرى، مع أن ملف الصفقات والثروات العمومية قد لا يكون بعيدا من مجال الخلاف.
وضمن ما تردده الصالونات كذلك هو أن الرئيس ولد عبد العزيز، قبل توليه الحكم، لم يكن راضيا عن سلوك ولد بوعماتو اتجاهه وتعامله معه باستعلاء.
وأيا كان الشك في صدقية ما يتردد هنا أو هناك، فإنه لا دخان من دون نار، كما يقول المثل، ومن غير المستساغ أن يقيم أكبر رجال أعمال البلد في الخارج، تاركا إدارة إمبراطوريته المالية، من شركات ومؤسسات، لعملية إدارة عن بعد.

الثروة السريعة
شكل صعود رجل الأعمال الموريتاني محمد ولد بوعماتو خلال العقدين الماضيين لغزا محيرا لمنافسي الرجل في السوق الموريتاني، والذين يرون أن وراء الثراء السريع الذي حصل للرجل ما وراءه، فقد طفق البعض يتهمه بتجارة المخدرات، وفق وثائق ويكيلكس، وهي الاتهامات التي أشارت لها برقيتان من السفارة الأمريكية بنواكشوط، ضمن تقرير للسفير الأمريكي السابق بنواكشوط حول نفوذ قبيلة أولاد بسباع، وضمن برقية للسفارة أيضا تضمنت تصريحات لرجل الأعمال عبد الفتاح ولد أعبيدنا، ودائما على ذمة ويكيليكس.
إلا أن الذي لا جدال فيه أن ولد بوعماتو قفز في ظرف وجيز نحو الثراء السريع معتمدا على العمل في قطاعات تجارية رائجة، كالسجائر التي احتكر أكثرها استهلاكا في موريتانيا، ومواد أخرى، فضلا عن مجال المال البنكي.
وخلال منتصف التسعينات خاض ولد بوعماتو صراعا مريرا مع بعض رجال أعمال قبيلة الرئيس الحاكم آنذاك معاوية ولد الطايع (أسماسيد)، وقد سجل انتصارين تجاريين هامين: الأول استحواذه على تمثيل شركة أفيلب موريس، صاحبة ماركة سجائر مارلبورو، الأكثر مبيعا في موريتانيا، والثاني حصوله على ترخيص لبنك موريتانيا العام.
وقد أسس الرجل “مجموعة بوعماتو”، التي تضم عديد الشركات: بنك، شركة تأمين، شركة غاز، مؤسسة خيرية،.. وبات لاعبا رئيسيا في السوق الموريتاني، وأحد أهم داعمي الأنظمة الحاكمة.
وخلال نهاية 2005، عاد الصراع بين ولد بوعماتو وأقارب الرئيس ولد الطايع على خلفية اعتقال رجل الأعمال محمد سالم ولد أنويقظ في فرنسا بسبب شكوى من ولد بوعماتو يتهمه فيها ببيع مارلبورو بطريقة غير قانونية.
وعندما أبلغ الرئيس ولد الطايع بنبإ اعتقال ابن عمه على إثر شكوى من ولد بوعماتو، أصيب ولد الطايع بصدمة كبيرة وقيل إنه قال “سأحول هؤلاء إلى فقراء” في إشارة لقبيلة أولاد بسباع، وعلى خلفية ذلك صدر أمرا بطباعة تحويل العقيد محمد ولد عبد العزيز (قائد الحرس الرئاسي وقتها) إلى قيادة مع يعرف آنذاك ب”قوات لمغيطي” أقصى شمال شرق البلاد، وأمر بطابعة أمر بإقالة العقيد أعلي ولد محمد فال وتعيينه سفيرا في باريس. وتشير هذه الأوامر على نية ولد الطايع تجريد القبيلة المنافسة لقبيلته من ذراعها العسكرية قبل باقي الإجراءات التي كانت متوقعة.
إلا أن الرئيس ولد الطايع، ولدواع أمنية، أجل توقيع هذه المراسيم والأوامر إلى حين عودته من سفره المفاجئ إلى السعودية، وهو السفر الذي لم يعد منه حتى الآن.
ومن المؤكد وقتها أن انقلاب “عزيز/ أعلي” على ولد الطايع كان جاهزا للتنفيذ، وفي كل الظروف، وجاءت فرصة سفر ولد الطايع (3/أغسطس/2005) لتكون الفرصة الذهبية وليكفي الله المؤمنين شر القتال.
خلال الفترة الانتقالية الأولى (2005/2007) حافظ المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، على نوع من التوازن بين كبار رجال الأعمال فالموريتانيين، ولم يكن ولد بعماتو بحاجة لأكثر من حياد السلطة بينه وبين منافسيه من كبار رجال الأعمال الآخرين، في ظل تمتعه برأس مال كبير وشراكات مع الاستثمار الخارجي، ودهاء واضح في فهم السوق الموريتاني وآلياته وحركيته وقطاعاته الأكثر ربحية.
وإبان حكم الرئيس ولد الشيخ عبد الله (2007/2008)، نجح منافسو ولد بوعماتو في إثارة ملفات تستهدف تشويه سمعته من قبيل اتهامه بالضلوع في تبييض الأموال وتجارة المخدرات، لكن الرجل قطع خطوات كبيرة في تكريس نفسه أكبر رجل أعمال في البلاد مستغلا إفلاس شركتي “سوماغاز” و”الخطوط الجوية الموريتانية” حيث أسس شركتين جديدتين: منافسة للأولى وبديلة للثانية.
ومنذ ذلك الوقت بدأ منافسوه يروجون في الأوساط المالية والشعبية أن الرجل بات هو اقتصاد البلد وأنه استحوذ على أهم ركائزه وفي طريقه ليتحول إلى ظاهرة “الرجل الدولة”.
ثم جاءت عاصفة انقلاب 3 أغسطس 2008، التي أوصلت الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة، وقد انبرى ولد بوعماتو ليكون أكبر داعمي ذلك الانقلاب، ويقال إنه لعب دورا محوريا في توفير الدعم الفرنسي والسنغالي لولد عبد العزيز، وفي الانتخابات الرئاسية 18 يوليو 2009، كان ولد بوعماتو أكبر الداعمين الماليين لحملة ولد عبد العزيز، حيث قيل إنه تبرع بما يناهز 3 مليارات أوقية لصالح الحملة، وظهر بنفسه في مهرجان عرفات الشهير إلى جانب ولد عبد العزيز حيث سمع الموريتانيون لأول مرة “مداخلة غير مالية” لهذا الرجل الذي يثير إعجاب البعض وسخط البعض.
وبعد تنصيبه رئيسا للجمهورية، فوجئ الرأي العام الموريتاني بما لم يكن متوقعا، فقد أقدم الرئيس محمد ولد عبد العزيز على جرجرة وبشكل مهين كبار رجال أعمال البلد أمام مفوضية الشرطة والقضاء، قبل سجنهم وتغريمهم مليارات الأوقية، في الوقت الذي وشح فيه منافسهم الرئيسي وابن عمه ولد بوعماتو بوسام الاستحقاق الوطني وعلى أنغام نشيد البلاد.
بدا للكثيرين وقتها أن الرئيس ولد عبد العزيز يرد بعض ديونه لولد بوعماتو، وأنه يكنس منافسيه بالسجون والغرامات، ويفرغ الساحة التجارية أمامه من أي منافس ولو من وزن الريشة.. بدا كذلك أن شهر العسل بين الذراع العسكرية والمالية للنظام سيتحول إلى سنوات ضوئية.
لكن المفاجأة أن ولد بوعماتو حزم حقائبه وغادر البلاد.. وبدا واضحا أن “الرجل يعلم عن مشاكله بما لا نعلم”.. وشيئا فشيئا بدأت خيوط الخلاف بينه وبين الرئيس عزيز تتوضح مشكلة واحدة من أكثر اللوحات عتمة في تاريخ السلطة والمال بموريتانيا.
ثم خلال الفترة الأخيرة عاد النظام للتصالح مع بعض رجال الأعمال من منافسي ولد بوعماتو، حيث منحوا صفقات وانتسبوا للحزب الحاكم.
مخاوف..
إذا كان مما لا شك فيه أن الخلافات عميقة بين ولد بوعماتو وابن عمه الرئيس ولد عبد العزيز، فهل يمكن القول إن تلك الخلافات بدأت تؤثر أو ستؤثر على النظام القائم؟
لا يجد هذا السؤال مسوغات الإجابة السريعة، فغالبا ما “يحسم صراع الرؤوس الكبيرة خارج حلبة المشاهدة”.
صحيح أن ولد بوعماتو يملك شبكة علاقات واسعة في غرب إفريقيا وفرنسا والمغرب.. صحيح أنه اختار المغرب مقرا لإقامته في ذروة “الأزمة الصامتة” بين البلدين.
صحيح أن ولد بوعماتو نسج شبكة علاقات داخلية قوية مع وجهاء وسياسيين وقادة اجتماعيين.
لكن لم يظهر حتى الآن من الرجل “دليل واضح” على أنه يسعى لزعزعة استقرار النظام، رغم ما يردده البعض عن لقاءات بينه وبين المعارض العنيد مصطفى ولد الشافعي، واحتمال قيام تحالف ثلاثي أو رباعي.. بين “ولد بوعماتو/ الشافعي/ أعلي ولد محمد فال.. والقائمة مفتوحة”.
ومن شبه المؤكد أن هذا التحالف المفترض إذا قام ستكون له كلمة مؤثرة فيما يجري في الساحة الموريتانية.
وقد انقسم الذين استنطقتهم “المحيط” في هذا الملف إلى رأيين: يرى الأول أن “أزمة ولد بوعماتو” تندرج في صراع أجيال مالية، صراع ينتصر فيه حاليا الجيل المالي الجديد الطالع من القاع في ظل السلطة “الجديدة”، بينما لا زال “الحرس المالي القديم” لم يحسم خياراته في سبل المواجهة. ومعني ذلك بحسب قول أحدهم أن “جيل بوعماتو، أشريف، أنويقظ،..” بات عمليا جيل محال للتقاعد المالي، بسبب تحالفات في هرم السلطة.
ويرى الاتجاه الثاني أن هذه الأزمة لا تخرج عن حيـّـز خلاف عائلي، وأنها لا يمكن أن تطال الجانب السياسي، إذ يقول مصدر مطلع “إن ولد بوعماتو أذكى بكثير من مناطحة الدولة” و”بالتالي سيكون الحل الأسهل هو مئال الأمور بالنسبة له في هذا الاتجاه”.
لكن آراء أخرى تؤكد أن للصبر حدودا حين يتعلق الأمر بالمصالح المالية والثروات الشخصية وصراع دوائر النفوذ السلطاتي المالي، بمعنى أن الأزمة لا بد أن تأخذ أبعادا سياسية مع مرور الوقت.. خاصة وأن أزمات النظام مع دول الجوار (السنغال، مالي، المغرب…)، والمحيط الإقليمي، والحراك المطلبي والاحتجاجي الذي يلوح بألوان الثورة الشعبية في البلاد، والأزمة السياسية مع المعارضة في الداخل والخارج،.. كلها أمور تسيل لعاب أي متذمر للعمل السياسي، أحرى إذا كان من “الوزن الثقيل”، فهل تشتبك الأوراق المالية والسياسية من جديد في لعبة “كسب مصير”، أم تنتهي القصة كما بدأت بـ”طلسم”، أم يستمر الغموض في كتابة فصول أخرى من قصة “خلاف عزيز بوعماتو”؟.. أسئلة قد تنتظر الإجابة أكثر من المتوقع.. فكل المصادر في هذا الموضوع لا تقدم غير علامات استفهام.

 

شاهد أيضاً

لجنة صندوق الصحافة تستقبل الطعون لتحصيل الحاصل

في مبادرة “الطبيب بعد الموت” لقطع الطريق أمام الاصوات المتجهة نحو رئاسة الجمهورية والمطالبة بتحقيق …