بات شعار”الشعب يريد رحيل النظام” موضة يحاول كل من أراد إسماع صوته أو لفت الانتباه إليه، رفعه و
صحيح أن الشعب التونسي فجر ثورة ” الياسمين” منهيا بها عقودا من الأحادية و مصادرة الحريات و كبت الآراء، و تحكم الفساد و الاستبداد.. صحيح أن شعب مصر أزاح أركان الدكتاتورية و أجتث جذور الغطرسة و الظلم و العمالة و خيانة الأمة..
لقد ولد الربيع العربي معارضات منبثقة من إرادة الجماهير الثائرة و أنظمة حكم عبرت عن تلك الإرادة، فكانت أنظمة حكم ديمقراطية أمام معارضة ديمقراطية… أنظمة حكم وطنية أمام معارضة وطنية، ليكتمل المشهد الديمقراطي الوطني في مصر و تونس.. و نجحت دول عربية في احتواء رياح التغيير عبر إرساء أنظمة ديمقراطية تعددية، كما حدث في المغرب، و فشلت أخرى في فهم رسالة التحول فعصفت بها أمواج التغيير كما حدث في ليبيا…
و بقدر ما كانت النخب متحضرة مؤمنة بالمصالح العليا للوطن ، حريصة على أمن الشعب و رفاهيته ، بقدر ما كانت الثورة ناجحة و التغيير مفيدا .
و لقد رأى بعض الموريتانيين أن رياح ” الربيع العربي ظاهرة شاملة ” لا يسلم منها أي بلد ، بصرف النظر عن طبيعة نظام الحكم فيه ، فسارعوا إلى محاولة ركوب الموجة و استنساخ شعارات الثورات العربية حرفيا ، دون الانتباه إلى التباين الجلي بين حالات مصر و تونس و ليبيا و اليمن و حالة موريتانيا …
نسوا أو تجاهلوا أن البون شاسع بين أنظمة جثمت على صدور شعوبها عقودا من الزمن مانعة أي صوت مخالف لها من أن يسمع ، و متخذة من القمع و المصادرة و الأحادية أساس للحكم ، و بين نظام حاز على ثقة أغلبية الناخبين عبر انتخابات أشرفت عليها المعارضة بحكومة تمسك بحقائبها الوزارية الأساسية و لجنة انتخابات مستقلة تتولى رئاستها ، و رشحت لها أكثر من أربعة مرشحين !
كانت تلك الانتخابات أهم تجليات “الربيع الموريتاني” الذي فجره تغيير 3 أغشت 2005 ، و أنهى به ثلاثة عقود من الأحادية و الاستبداد و القمع و مصادرة الرأي و كبت الحريات، أكثر من عشرين عاما من الدكتاتورية و الظلم و الفساد ، لم تحرك خلالها هذه المعارضة ساكنا و لم ترفع شعار الثورة يوما واحدا .. عشرون عاما و المعارضة الموريتانية منشغلة بصراعاتها على التقرب من ذالك النظام المستبد ، بعضها بمشاركة سياساته و بنظرها من وراء حجاب ، وبعضها حمل السلاح لتحقيق مآربه ، و بعضها ملأ الدنيا هتافا و شعارات ضد التطبيع و العلاقة مع ” الصهائنة ” فإذا به ينحي تلك الشعارات جانبا و يغير موقفه لمجرد حصوله على منصب وزاري أو اثنين ..
يتذكر الموريتانيون حالة الانهيار التي عاشتها دولتهم قبل تغيير أغشت 2008، و يتذكرون الفلتان الذي شهده الوضع الأمني و الحالة المعيشية آنذاك .
يتذكر كل الموريتانيين فضائح “ويكليكس” التي كشفت زيف أطروحات “قادة” المعارضة و “دعاة الثورة” في موريتانيا .. ويتذكرون مطالبة “المعارضة” آنذاك بفرض الحصار عليهم و تجويعهم.
ويتذكرون تهافت هؤلاء “الثوار” المطالبين بالديمقراطية و برحيل النظام الشرعي المنتخب، على تزكية و مباركة الانقلابات العسكرية و مطالبتهم ـ صراحة ـ بإزاحة نظام يعتبرون اليوم أنه كان شرعيا و تم الانقلاب عليه أو” التمرد” عليه !
تناقضات صارخة أزاحت القناع عن زيف خطاب المعارضة الموريتانية و إفلاس طرحها … تناقضات كانت أبرز تجلياتها مطالبة قادتها بالديمقراطية و التناوب ، في حين شاخ هؤلاء القادة ومالت شمس مشوارهم السياسي إلى الغروب ؛ و هم متمسكون بقيادة أحزابهم ، رافضين إفساح المجال للأجيال الأكثر شبابا و ملائمة للمرحلة الجديدة .. أمست أحزاب المعارضة أكثر حاجة لربيع سياسي ؟ أليس الأولى بمن يرفع شعار التناوب على السلطة في البلد أن يمارسه في حزبه أولا ؟
إن أول مبادئ الديمقراطية و التناوب على السلطة، هو تقبل إرادة الشعب و احترام خيار الأغلبية.. ثم العمل على تغيير مواقف تلك الأغلبية في الاستحقاق الموالي لكي تختار سلطة جديدة و تمنح ثقتها للمعارضة وتجعلها أغلبية.. غيرأن ذالك يتطلب قناعة بالديمقراطية و إيمانا بالنضال السياسي الوطني البناء، عبر انتظار موعد انعقاد محكمة الشعب (كل خمس سنوات) لتنطق بحكمها عبر صناديق الاقتراع، و هو حكم لا معقب له.
تلك هي الديمقراطية، و هذه هي المعارضة التي يريدها الشعب، فالشعب في موريتانيا اليوم بات يهتف “نريد معارضة وطنية”! الشعب يرفض الصدام و العنف الذي تغذيه أطراف في المعارضة الحالية.. يرفض العودة إلى عهود الاستبداد و الظلم و الفساد ، يرفض إعاقة مسيرة بناء موريتانيا الجديدة التي أطلقها قائد “الربيع الموريتاني” الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، وتجلت في تطهير أرض شنقيط المنارة و الرباط من دنس التطبيع المشؤوم .. في فتح إذاعة خاصة للقران الكريم؛ في طباعة مصحف موريتاني لأول مرة، بأيدي علماء موريتانيين ، في مشروع بناء أول جامع موريتاني بمعايير معمارية مميزة .. تجلت في منح سكان أحياء الصفيح قطعا أرضية سكنية مستصلحة لائقة، في شق الطرق و الجسور على امتداد التراب الوطني و داخل كل المدن.. تجلت في السيطرة على الحوزة الترابية للوطن و القضاء على حالة انعدام الأمن التي سادت منذ هجمات لمغيطي ، تورين ، الغلاوية ، ألاك ، النعمة و انواكشوط ..
تجلت منح العناية الكبرى للقوات المسلحة و قوات الأمن للاضطلاع بواجب حماية الوطن و الشعب و الممتلكات ، و في تجهيز و تسليح الجيش الوطني بما يلزم من عتاد و معدات متطورة ، برية ، و بحرية ، و جوية .. تجلت في إلغاء حبس الصحفيين و اكتمال عودة المبعدين خارج الحدود.. و تجلت فوق ذالك في إرساء نظام وطني للحالة المدنية يؤمن و يحمي الهوية الوطنية و يكرس حق المواطنة الحقيقة .
هذه هي مسيرة البناء الوطني المتكامل التي أرادها الشعب حيث قدم يوم 18يوليو 2009 على منح الثقة لقائد التغيير البناء، الرئيس محمد ولد عبد العزيز؛ موجها رسالة إلى خصومه السياسيين و منافسيه مؤداها أن “الشعب يريد البناء”.. يريد نظاما ديمقراطيا وطنيا حقيقيا .. كما يريد معارضة وطنية بناءة و مسؤولة ، تختلف بشكل جذري عن المعارضة الحالية .
بقلم : أفاتو بنت لمعيبس