
لقد خطف “الإسلاميون” ثورات الشعوب في هذه البلدان ضد أنظمة القمع والدكتاتورية، وأقنعوا القوى الغربية بأنهم حراس مأمونون على مصالحها، وأكثر أهلية من غيرهم لتنفيذ أجنداتها؛ فحولوا ربيع الشعوب العربية إلى “صيف” لتلك القوى الاستعمارية المعادية للعرب والمسلمين. كما نجحوا في تمرير خطاب يصورهم على أنهم أكثر ديمقراطية وليبرالية، بل وعلمانية، من أي تيار سياسي أو فكري آخر.
وجد الغرب في “الإخوان” الحليف الأمثل لمواجهة الحركات الجهادية السلفية، المرتبطة ـ في نظره ـ بالتطرف و”الإرهاب”، فنفذوا له مخططه الكبير في تقسيم البلدان العربية وإشعال العنف بين مكونات كل شعب في تلك البلدان؛ معتمدا على “فتاوى” المرجعيات الفكرية والدينية لهؤلاء، ومن تمادي أنظمة الحكم العربية في خنق الحريات وتكريس الدكتاتورية والاستبداد.
سقطت أقنعة “حلفاء” الغرب الجدد، وأميط الحجاب الذي كان هؤلاء يختبئون خلفه؛ عند ظهورهم مهللين جنبا إلى جنب مع أشد قادة “القاعدة” تطرفا وتشددا، وتزكيتهم لجرائم القتل و بدم بارد في اليمن وسوريا وليبيا.
تبين للقوى الغربية أنها انخدعت حين اعتبرت أن “الإخوان” يشكلون الحليف الأمثل للقضاء على “الإرهاب”، المرتبط ـ في مفهومها ـ بالإسلام؛ فكان قرار الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، رفض السماح لـ “الزعيم الر وحي” للحركة، يوسف القرضاوي، بدخول فرنسا، رغم كونه هو من “افتى” للناتو، ولإسلاميي ليبيا بعدم حرمة دم القذافي!
كانت قضية محمد مراح، الفرنسي من أصل جزائري، بمثابة المفك الذي قطع الارتباط بين الغرب و“إخوانه”، إذ أدت إلى بروز نظرة مغايرة لدى القوى الغربية تجاه التيار الإسلاموي المتصدر اليوم واجهة أحداث “الربيع الغربي” في الوطن العربي.
لقد كانت حصيلة عام من سيطرة الحركة الإخوانية في مصر وتونس، موجة غير مسبوقة من العنف والاقتتال الداخلي، حيث وقعت عدة تفجيرات واعتداءات مسلحة في تونس تبين أن وراءها جماعات جهادية وجدت ـ في حكم ـ النهضة مناخا ملائما لنشاطها؛ بينما أفسحت سيطرة “الجماعة” في مصر المجال أمام تزايد أعمال العنف بين المسلمين والأقباط..
وفي ليبيا تحكمت “القاعدة” في أهم مدن البلاد وسيطرت على مقدراتها العسكرية والاقتصادية، وسجلت عمليات إبادة جماعية مسلحة عنيفة بين مكونات الشعب الليبي وقبائله، وظهرت دعوات انفصالية في بعض المناطق؛ وبلغ عدد من قتلوا وشردوا ونكل بهم عشرات الآلاف، وهو ما لم تعرفه ليبيات طيلة أربعة عقود من حكم العقيد معمر القذافي.. سقط مئات الآلاف في اليمن وما زالوا يسقطون في سوريا..
لم يعد خافيا على أحد أن “الإخوان” و “القاعدة” وجهان لعملة واحدة، وأن كليهما مكمل للآخر؛ بحيث يشكلان ذراعا سياسيا وذراعا عسكريا لنفس التيار والفكر..
وفيما انكشف أمر هؤلاء لدول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة التي أصدرت مذكرة اعتقال دولية بحق زعيم التيار الإخواني، يوسف القرضاوي، والمملكة العربية السعودية التي أبعدت موريتانيين منتمين لنفس التيار؛ وأخرى غربية مثل فرنسا التي رفض رئيسها منجح نفس الزعيم تأشرة لدخول بلاده، تكثف فروع التيار في بلدان أخرى جهودها ـ من خلال ذراعيه السياسي والجهادي ـ في سبيل تحقيق نفس النتائج المأساوية فيها.. ومن تلك البلدان موريتانيا التي أدى فشل تيارهم السياسي فيها إلى الاستعانة بمرجعية دينية لشرعنة العنف والخروج على السلطة، تزامنا مع خروج أول مظاهرة علنية لنساء التيار السلفي، الذراع المسلح، في شوارع العاصمة نواكشوط.
ومثلما تتحد الحركات الفرعية في الخطاب السياسي والاستراتيجيات العملية، تتحد فروع الذراع الجهادي للحركة الإخوانية في كل البلدان المتواجدة فيها.
ذلك ما يتجلى اليوم في موريتانيا، من خلال مهاجمة الفرع السياسي لعلماء البلد الأجلاء ممن عرفوا بمواقفهم الحازمة الرافضة للغلو والتطرف والإرهاب، وتصعيد الفرع “الجهادي” نشاطه ضد موريتانيا من خلال اختطاف دركي لا ذنب له سوى أنه يقوم بواجبه الوطني والديني في حماية الوطن والشعب.
سقطت الأقنعة وانكشفت اللعبة، وتبين أن من يسمون أنفسهم “الإسلاميين” يشكلون خطرا على كيان واستقرار موريتانيا وعلى أمن شعبها ووحدتها الوطنية، لا يقل شأنا عن خطر تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، الوجه الآخر لنفس التيار السياسي.