ملاحظة: الكاتب حائز على دكتوراه في “اختصاص المحكمة الجنائية الدولية”
أولا: المحكمة الجنائية الدولية مكملة: إن المحكمة الجنائية الدولية ليست صاحبة اختصاص أصيل في أية قضية إلا استثناء، فالأصل أن نظامها نظام مكمل، فالدولة التي أمسكت المجرم، هي صاحبة الاختصاص، وينعقد الاختصاص الأصلي للمحكمة الجنائية الدولية في حالتين:
à في حالة انهيار النظام القضائي للدولة، التي قبضت على المجرم، كالحالة، التي تكون فيها الدولة، التي يوجد المجرم تحت يدها في حالة حرب.
à في حالة القضاء في الدولة المذكورة لم يكن نزيها، ولا مستقلا.
ثانيا: عدم مقبولية حلول القضاء الدولي مكان الوطني قسرا: إن الدول ليست ملزمة بنظام روما الأساسي قسرا، فلا يوجد ما هو أعلى من سيادة الدولة على اقليمها، وهنا نجد حالات غير مقبولة أمام الجنائية الدولية لأسباب منها:
à وجود تحقيقات من قبل الدولة، التي ينعقد لها الاختصاص بشأن الجرائم موضوع المحاكمة.
à إذا كان الشخص المعني سبقت محاكمته على السلوك موضوع الشكوى.
à إذا حققت الدولة صاحبة الاختصاص الأصلي في الجرائم، وقررت أنه لا وجه للمتابعة إلا إذا كان هذا القرار ينبني على أسباب غير موضوعية، تظهر عدم رغبة الدولة في محاكمة الجاني.
ثالثا: الدولة غير الطرف ليست ملزمة بالتسليم: إن الدولة غير الطرف في نظام روما لا تلزم بتسليم المجرمين، ولو كانت طرفا فما تقوم به هو التعاون، أما الإلزام فهذا لا يوجد في مثل هذه الحالة، فلا شيء يعلو سيادة الدول في القانون الدولي.
رابعا: موريتانيا وغياب الشرعية لجريمة الإبادة: القانون الموريتاني حسب علمي لحد الساعة لا يجرم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الانسانية، والحرب، والعدوان، التي هي جرائم النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية غير منصوص عليها في القانون الجنائي الموريتاني، وبالتالي قد لا يكون السنوسي مجرما بهذا المفهوم.
وما سيجري هو محاولة التوسع في جرائم القتل لتشمل الجرائم المذكورة، ولو حصل هذا فلن يسلم من الانتقاد.
وتعذر موريتانيا في هذا الجانب لأن المجتمع الدولي كله وضع نظام روما الأساسي 2002، ولم يعرف إحدى جرائمه الأربع إلا في 2010، أي في المؤتمر الاستعراضي للدول الأعضاء فيه، والجريمة المعنية هي جريمة العدوان.
خامسا: عامل استقلالية القضاء، وحياده: إن أي دولة ستتسلم السنوسي يفترض بها أن يكون قضاؤها مستقلا، ونزيها، فاستقلال سلطة القضاء وارد دائما، وفي النزاع المسلح، الذي كانت ليبيا مسرحا له كان هناك طرفان، تعامل كل واحد منهما مع الثاني بالقوة والرصاص، ومات من مات، وانتصر طرف حاليا هو الذي في السلطة، وليس مقبولا أن يسلم له الطرف الثاني، أو بقاياه، لأنه ليس طرفا محايدا، وما زال يعلن على الشاشات أنه لم يرتب أموره بسبب العصابات، فهل من العدل أن يسلم له السنوسي؟…
طبعا لا، وإن القضاء في ليبيا في شبه انهيار بسبب الحرب، ولو سلم له السنوسي فستكون الدولة المسلمة مذنبة، لأن القضاء غالبا سيتبنى ما يضعف مركزه، وينسف بالحياد، وأمامه حاليا قضية سيف الإسلام لم يتعامل مع ملفه، فما زال يؤخر النظر فيه، والهدف من المساطر الجنائية هو السرعة في تحقيق العدالة، وليس بناء، وتشييد مؤسسات التحقيق في الجرائم، وليبيا بطيئة جدا حتى الساعة في محاكمة المجرمين، فمنذ مقتل “يونس” لم تحرك ساكنا يذكر.
سادسا: حقوق المتهم: إن المتهم يجب أن لا يجبر، ولا يعذب، ولا يكره، ولا يهان، ويجب أن يحظى بحقه في عدم الكلام، وأن تحترم له قرينة البراءة، ولا يعتقد أن ليبيا قادرة على توفير هذا للسنوسي، وفرنسا ليست أحسن حالا، لأنها شبه طرف، فقد ساعدت ثوار ليبيا بالسلاح، وساهمت في اسقاط نظامها.
سابعا:التسليم والمعاهدات الثنائية: إن للدول أن تعتد بالاتفاقيات الثنائية على حساب نظام روما الأساسي، وتمتنع الدول، التي مر بها مجرمو بعض الدول من تسليمها، فأمريكا رائدة في هذا المجال، واسرائيل كذلك، حيث اتفقتا مع دول شتى على أن لا تسليم لمجرميهم إلى الجنائية الدولية، وهكذا لم تحاكم الجنائية الدولية أمريكيا، ولا يهوديا رغم جرائم “أبو اغريب في العراق”، وجرائم الغزو كلها في العراق، وافغانستان، وليبيا.
وموريتانيا لا شك لديها اتفاقياتها، ليس لحماية المجرمين، ولكن للمعاملة بالمثل، ومعرفة ما عليها من عدمه.
ثامنا: خلاصة :إن التسليم يتم وفقاً للشروط التي يتم الاتفاق عليها بين الدول المعنية ، في نطاق المعاهدات المبرمة، فإذا لم تكن هناك معاهدات ، أو كان القانون الداخلي للدولة، المتواجد على إقليمها الشخص المطلوب تسليمه، لم ينظم إجراءات التسليم فإنه لا يوجد ثمة التزام قانوني يحتم على الدولة القيام بالتسليم، بل يكون من حق الدولة، التي يلجأ المتهم إلى إقليمها أن تقوم بتسليمه ، أو أن ترفض التسليم، وهذا هو الحاصل في قضية السنوسي.
فلموريتانيا الاختصاص القانوني نظرا لإقليمية القانون الجنائي، والولاية الوطنية لموريتانيا على كل القضايا، التي يقع أصحابها في يدها، ولما يعرف بمبدإ عالمية القانون الجنائي، التي تجعل للدولة الاختصاص على كافة الجرائم في العالم.
وبالنسبة للأنتربول “الشرطة الدولية” فهذه قناة يتم عن طريقها التسليم في مثل هذه الحالات، ولكنها ملزمة بالعمل وفق مبادئ القانون الدولي، وبالتالي هي لا تتجاوز الاتفاقيات، وهي لجنة تم اقرارها للتعاون، ولا تتجاوز صلاحياتها سيادة الدول طبعا، وتسهم في جمع الأدلة ومكافحة العقاب لا أكثر، وفي تسهيل التسليم في حالة أرادت الدول مساعدتها في حيثياته.
وعلى موريتانيا أن لا تسلم السنوسي إنسانيا، هذا زيادة على الجانب القانوني ، فما يوجد في ليبيا حاليا هو عصابات، والكل يتذكر طريقة قتل القذافي، والتحرش به بسكين جنسيا، وهو ما ينافي الشريعة المحمدية، وينافي قوانين جنيف، ومتى كان السكين بديلا عن العدالة؟ ومتى كان التشفي، والثأر سببين لإحقاق الحق؟..وهل قتل الناس، والتكبير على جثثهم، وتركها تتعفن أمام أنظار العالم هي قيمنا، التي نفاخر بها الأمم؟..ألا نخجل من أن الأمريكيين طعنونا في العراق بقتل صدام بعد محاكمة هزلية؟.. وطعنونا بتركهم لمجرمي البوسنة والهرسك يموتون على راحتهم؟.. ألا نخجل من تقديم بني جلدتنا للمحاكم الدولية تقاضيهم في الحين الذي لا يقدم لنا فيه الغرب عدالة مقبولة في قتلة أبنائنا في العراق، وغزة، وليبيا؟..أم أن قتل طائرات النيتو للمدنيين الليبيين مغفور ذنبه لأن مساعدتهم لنا في الثورة تبيح كتابيا قتل بعضنا، والتضحية به؟.. وفي أي كتاب جاء ذلك-لقد كثرت الكتب-؟..
بقلم: الدكتور دداه محمد الأمين الهادي