أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / 2011 عـــــــام الإبـــــل!

2011 عـــــــام الإبـــــل!

إن الصورة المأنوسة، والمألوفة للناس، التي انحفرت عميقة في ذاكرة من

عايشوا الألفية المنصرمة، تنطبع دون تمعن مؤكدة أن الصبر كان سمة العام، فكل سابقيه كانوا يمرون سراعا، يعدون كالخيل، وهو رغم الأقداح المترعة بروعة سقوط الديكتاتوريات مر وئيدا، يئن تحت ثقل كلكل ليل الربيع العربي خارجيا، وداخليا تسمى العام بجدارة، واستحقاق غير مسبوقين “عام الرمادة الموريتاني”، وكان الناس أينما كانوا في 2011 إبلا، تقطع صحراء السنة صابرة لأجل الأحلام.

 

داخليا…؛

حاول كثيرون أن يخفوا بالمساحيق سنام الامتعاض الشعبي من الفقر، فصدق عليهم المثل العربي القائل: “ما استتر من قاد جملا”، فهم يريدون إخفاء الواضح، كان من أولئك الساسة، والعساكر، والمتحزبون الجدد، الذين قالوا…، فما عاد شيء يقال، والصدى المتذبذب ضائع في الرماد، ولسان الحال صارخ بهم قائلا: “يا إبل عودي إلى مباركك”، فالمنفور منه “رحم الله الحجاج”، و لا يجدي مقال مستعطف، والحال ناطقة، والفقر منذ حورب اطلخم الجبلة، ولم يعد في الشعب من ينازعه الوثاق، والمدافعون عن رشد ما يقام به، تتعاورهم الرماح، كتب عليها :”ما هكذا تورد الإبل-يا سعد-“، فقد قيم بالكثير لكن من قام به لم يحسنه.

استعرضت العساكر في 25 من نوفمبر، هنا عند المطار، الذي كان يودعه الشعب، فيما تبدى من بعد، وكان العرض مناسبة لسيارات اليابان للظهور، لم يبق جمّال من الجنرالات إلا عرض دولته، وجال جولته، ومر الظعان يتلبسون بلباس، وفراء كل أرقط زهلول، وعرفاء جيئل، وفي النهاية كانت الميزانية المخصصة للعرض إسهاما وطنيا في التصدي للجفاف، وندرة المرعى، كان ذلك الحدث الأبرز.

ورفقا بقلبك –يا شعب-، من الصحاري التي آبارها عطش، وجدب، فللدولة برامج تضامن، وإن كانت لا تزال تضرب خبط عشواء، بلا طريق واضح، كالعشواء تماما، وهي الناقة ضعيفة البصر، التي كان لها نصيبها في عام الإبل، وقد اختل شيء ما، فاستسقى القوم، ولم يسقوا.

وجاء الحوار ليسهم في التخفيف من آثار الجفاف، كان منبعا صرفا للصرف على العقلاء، بدلاء الاحتياط، ونزلاء دور التأهيل، الذين يبكون الأطلال، ويستشعرون التبدل الحاصل بالدمن، تحاوروا نظرا للظرفية الحالكة مجانا، لم يقبضوا مليما، لأنهم عاطفون على بيت مال الأرامل، والمستضعفين في الأرض… بل قبضوا الثمن أضعافا مضاعفة…، ولكن سيقيمون موسما للتبرع…، فانتظروا…

وفي آخر العام خافت القاعدة فأدلجت، و MCM هي الأخرى، وكلتاهما رجع من دونهما البواسل، ليقول منبؤهم للرعية:”أشبعتهم سبا وراحوا بالإبل”، فوا كبداه من حب من لا يحبني، ووا أسفاه على الابن، والذهب.

وصفوة القول، ولست لا من…، ولا من…، كان الشعب سفينة صحراء، إبلا صابرة، كان عنيدا، قنوعا، يموت جوعا، كان كالنوق في الحل والترحال، كان كبني أنف الناقة، قبلما نزل منازلهم الحطيئة مادحا، قائلا:

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم

ومن يسوى بأنف الناقة الذنبا

فهلا ترك المتشبهون بالنســ…، بقوم صالح عفوا، للناقة-الشعب شربها، وأكلها، وقد أنذروها بضم الألف بقول المولى:”ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب”، وقد نذروا شربها، وأكلها لها في الحرب على الفساد.

وخارجيا…؛

كانت الثورات العربية تعج، وتضج، واقفة سامقة على قلب وساق، وكأن للحكام والدا، أرسل أبناءه للصيد، والتقمر-الصيد على ضوء القمر-، وفي الصباح بلمح البصر، إذ انبلج الضوء، وجد البكرة قائمة ببابه، فتلمس في الأوعية المحمولة عليها، ما يصطادونه عادة من الذهب، والفضة، والنفيس، والنفائس، وبيض النعام، فإذا به ينوح من قلبه المنخلع أسى، والمستطار حزنا، وهو يجد رؤوس أبنائه في الحمولة، والعرب تقول، ومعها الغرب، والسند، والهند هذه المرة: “جاء بنو فلان على بكرة أبيهم”، تعني: رؤوسهم.

استدعى عام الإبل من الشعب العربي أن يجوع، ويعرى، ويصبر، ويثابر ليظفر باللؤلؤة البيضاء-الثورة، وكيف لا يكون الشعب العربي كذلك، وهو يريد الظفر بسعاده، وهي كما يقول كعب ابن زهير:

أمست سعاد بأرض لا يبلغها   – – إلا العتاق النجيبات المراسيـل

ولن يبلغهـــــــــــا إلا عذافرة  – –  لها على الأين ارقال وتبغيــل

وقد لقي الشعب المصاعب، خبر الشدائد في سبيل الحرية، لقد كانت العرب إبلا، صابرة على البأس، والمخرز المغروس في شاكلتها، حتى بلغت من الطريق ما بلغته في العام 2011.

وقد كانت لصوص العرب تغير على الإبل من وجوه مختلفة، وتحملها إلى الأسواق العالمية، كان الشعب العربي الصابر، تنهب ممتلكاته، وتباع في مطارح الأرض، ويسأل السائل عن علامتها، ونارها، فيجيبه لسان البائع:

تسألني الباعة أين نارها؟–إذ زعزعوها فسمت أبصارهـا

كلّ نجار الأرض نجارها—وكل نار العالمين نارهــــــا

وخارجيا مغربين لا مشرقين…؛

كان الغرب يتلوى حسرة، تتساقط دويلاته، المبنية على ابتلاع الضعاف، تحت وابل طلقات الأزمة الاقتصادية، وهم لم يتعودوا الصبر عن المادة، فبدت القلوب شتى، من قائل نتخلى عن اليونان..ومن تشابه معها في الشأن؟… ومن قائل سنتجاوز المحنة معا “بالفلنتايم”؟… وهنا حلق النيتو ليحمي الضمار من شر قلة الفرائس، والأمل معلق على حكامنا الجدد في أن يقطعوا يده إن طالت، ويساورني الشك حول قدراتنا في هذا المضمار؟…

خبر الغرب الصبر، سياسات التقشف، وشد الخصر، فثارت ثائرة من لا تعجبهم حياة الصابرين، الذين يفرقون بين الجمل-الحيوان، والجمل-الانسان.

وودع عام 2011، وكل شيء ثائر-صابر، وصابر-ثائر، والإنسان هو الإنسان، والإبل أقل شأنا من كرامته، وإنسانيته مهما كانت، ولكن كما يقول الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد في قصيدته “الجمل”: “صبر العراق صبور أنت يا جمل”.

بقلم: د داه محمد الأمين الهادي.

 

 

شاهد أيضاً

غزواني رجل دولة فلا داعي للقلق ../ الشيخ المهدي النجاشي – صحفي …

وأنتم تسيلون حبر أقلامكم وطقطقات لوحات هواتفكم بكثير من العنتريات احيانا والمزايدات على الموقف الموريتاني …