إن فشل معظم الأنظمة العربية في تحقيق أدنى مستوى للتنمية و العيش الكريم لمواطنيها لم يكن وليد صدفة. فالسواد الأعظم من أصحاب الفخامات و الزعماء العرب مجرد براميل فارغة وصلت إلى الحكم على ظهور دبابات بالية ولم تطأ أقدامهم من الجامعات غير الجامعة العربية، ومن هنا كان من ا لضرورة بمكان تشكيل مَشْيخَة من علماء السلطة و فقهاء البلاط من المحيط إلى الخليج لإنشاء إبتدائية عربية يكون مقرها في عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية ـ أنواكشوط ـ ليمر بها أصحاب الفخامات و الزعامات العربية ولو مرور الكرام قبل الدخول إلى الجامعة العربية في القاهرة. أمر من شأنه أن يقوم توازن الإئتلاف العربي الأعرج وينصف دولا أعضاء في الجامعة العربية بعضها بعيدا كل البعد عن مابات يعرف جغرافيا بخارطة الربيع العربي ودول أخرى ظلت عروبتها على المحك ويصفها البعض ممن يجلسون في المقاعد الأمامية للجامعة بالأذيال كموريتانيا وأريتريا و الصومال و جيبوتي و جزر القمر.
بعد أنطلاقة الشرارة الأولى لما بات يعرف بالربيع العربي من مدينة سيد بوزيد من جسد البوعزيزي غفر الله له و تغمده برحمته الواسعة، بزغ فجر جديد لم يشهد العرب له مثيلا ففهم بن علي رغم الغباء التليد أن برجه العاجي لن يصمد أمام الهزات الشعبية التي عطلت مقياس رختر وأنه فايروس ضار لم يعد يستطيع المكوث في الجسم التونسي الذي طور جهازا مناعيا وبدأ يستعيد عافيته فطار إلى العربية السعودية بعُشه وفراخه.
لم تكشف رياح الربيع العربي سوئات الرؤساء والزعماء العرب وزبانيتهم البغيضة فحسب، بل كشفت سوئات آلاف آخرين ممن يوصفون بالعلماء والُمفتين والفقهاء و تركتهم لا يلوون على شيئ بعد تحطيم أزلامهم ممن يدفعون لهم الأموال الطائلة مقابل فتاوى معلبة تُجيز إزهاق أرواح الأبرياء و تُجيز الفساد في البر و البحر و تحفظ ماء وجوه الطواغيت. فالمواطن العربي ظل يُسحق لعقود بين سندان المتنكرين في عباءة الدين ومطرقة الأنظمة الشمولية، فإذا ماحاول رفع رأسه ليرى النور في محاولة لإستنشاق نسيم الحرية في لحظة إلهام تشْرئِبُّ إليها أعناق الملايين في السجن العربي الكبير، يطل عليه فقيه أو مُفتي رخيص مبررا جشعه ونفاقه الدفين بسم الدين و مجددا ولاءه لمن أهلكوا الحرث و النسل و البلاد و العباد بحجج أوهن من نسيج العنكبوت تفتقر إلى أدنى مقومات الإنسانية و لا تمُت بصلة لأي رسالة سماوية.
في المملكة العربية السعودية تم إصدار فتوى تقول أن الثورة تجوز في كل بقاع الأرض بإستثناء السعودية. وفي اليمن كانت هناك المليشيات الدينية لعلي عبد الله يُفتون صباح مساء بينما آلته الحربية تسحق الأبرياء العُزل الصامدين في الميادين لا تميز بين شيخ وطفل رضيع أو إمرأة لا لشيئ غير أنهم أبصروا نورا فولو وجوههم شطره لينالهم قبس منه ليبدد عقودا من عتمة الدكتاتورية و اليأس. وفي ليبيا كان هناك مُفتي الزعيم القذافي، الذي أستمات في إصدار الفتاوى بحرمة الخروج عليه حتى أمسك ثوار 17 من فبراير بلحيته و سحبوه مذعورا مدحورا في مشهد مهيب يعيد للإنسان كرامته المسلوبة باسم “حرمة الخروج على الزعيم أو صاحب الفخامة” . مشهد مهيب حيث ينال الفقيه الرخيص جزاءه بعد جرأته على الله وحلم الله عليه لعقود، فالله سبحانه يمهل ولا يهمل.
عندما أستنشق أهل الشام نسمات الربيع العربي وسرت في عروقهم نشوة النصر الذي رأوا تجلياته بأمهات أعينهم في تونس ومصر وليبيا وأنتفضوا ضد زمرة الأسود التي تتخذ من دمشق عرينا لها، أطل علينا أمين حزب الله بكلام أقرب إلى الهلوسة أم لعله أبتلع حبوب هلوسة كالتي تحدث عنها القذافي و نجله في الأسابيع الأولى للثورة الليبية. وقبل يومين جاء الدور على مفتي الديار السورية ليتحف الرأي العام باسطوانة قديمة قدم الشرق و حروبه فتحدث بلغة خشبية عن إعداد أنتحاريين لفداء جزار سوريا بتحويل أجسادهم إلى أشلاء في أوروبا وأمريكا لأن هذه الدول وبغض النظر عن أزدواجية معاييرها و تباين مواقفها و سياساتها الخارجية تأخذ موقفا متقدما من قتل المتظاهرين السلميين و إزهاق أرواح الأطفال والنساء و تشويه جثامينهم بتقطيع أوصالهم وأعضائهم التناسلية.
فمتى سيفهم هذا الأخير وكل من على شاكلته من المفتين و العلماء و الفقهاء من المحيط إلى الخليج أن الشعوب العربية تتجه نحو مرحلة حاسمة بدأت معالمها تتكشف لا مكان فيها لفقيه رخيص، ولا لمثقف رخيص، ولا مكان أيضا لإعلام رخيص. مرحلة يكون القرار فيها بيد الشعب و القانون هو من يحدد صلاحيات الحاكم بغض النظر عن عرقه و جنسه و دينه أو لون بشرته؟
وتظل فتاوى الربيع متبوئة مكانها في صناديق القمامة بعد أن تم التخلص من مُشتريها من الطواغيت العرب و سماسرتهم في مزبلة التاريخ إلى غير رجعة. فثورات الربيع في عمر الزهور وهي كفيلة بالقضاء على المومياء ات العربية المحنطة التي حولت الوطن العربي إلى سجن مقيت حيث شعوب مسحوقة في صراع محتدم مع الجهل والفقر والمرض والقمع. واقع مزر و نتيجة حتمية لزواج مصالح مشؤوم بين الأنظمة القمعية و المتسلقين على الدين…
دمتم
عبدالمطلب عبدالودود